أولى (وآتيناهما الكتاب المستبين) المراد بالكتاب التوراة: والمستبين: البين الظاهر، يقال استبان كذا، أي صار بينا (وهديناهما الصراط المستقيم) أي القيم لا اعوجاج فيه، وهو دين الإسلام فإنه الطريق الموصلة إلى المطلوب (وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون) أي أبقينا عليهما في الأمم المتأخرة الثناء الجميل، وقد قدمنا الكلام في السلام وفي وجه إعرابه بالرفع، وكذلك تقدم تفسير (إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين) في هذه السورة (وإن إلياس لمن المرسلين) قال المفسرون: هو نبي من أنبياء بني إسرائيل، وقصته مشهورة مع قومه، قيل وهو إلياس بن يس من سبط هارون أخي موسى. قال ابن إسحاق وغيره: كان إلياس هو القيم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع، وقيل هو إدريس، والأول أولى. قرأ الجمهور " إلياس " بهمزة مكسورة مقطوعة، وقرأ ابن ذكوان بوصلها، ورويت هذه القراءة عن ابن عامر، وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب " وإن إدريس لمن المرسلين " وقرأ أبي " وإن إبليس " بهمزة مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم لام مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم سين مهملة مفتوحة (إذا قال لقومه ألا تتقون) هو ظرف لقوله من المرسلين، أو متعلق بمحذوف:
أي أذكر يا محمد إذ قال، والمعنى: ألا تتقون عذاب الله، ثم أنكر عليهم بقوله (أتدعون بعلا) هو اسم لصنم كانوا يعبدونه: أي أتعبدون صنما وتطلبون الخير منه.
قال ثعلب: اختلف الناس في قوله سبحانه " بعلا " فقالت طائفة: البعل هنا الصنم، وقالت طائفة: البعل هنا ملك، وقال ابن إسحاق: امرأة كانوا يعبدونها. قال الواحدي: والمفسرون يقولون ربا، وهو بلغة اليمن، يقولون للسيد والرب البعل. قال النحاس: القولان صحيحان: أي أتدعون صنما عملتوه ربا (وتذرون أحسن الخالقين) أي وتتركون عبادة أحسن من يقال له خالق، وانتصاب الاسم الشريف في قوله (الله ربكم ورب آبائكم الأولين) على أنه بدل من أحسن، هذا على قراءة حمزة والكسائي والربيع بن خثيم وابن أبي إسحاق ويحيى ابن وثاب والأعمش، فإنهم قرأوا بنصب الثلاثة الأسماء، وقيل النصب على المدح، وقيل على عطف البيان، وحكى أبو عبيد أن النصب على النعت. قال النحاس: وهو غلط وإنما هو بدل، ولا يجوز النعت لأنه ليس بتحلية واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم. وقرأ ابن كثير وأبوا عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع بالرفع. قال أبو حاتم: بمعنى هو الله ربكم. قال النحاس: وأولى ما قيل إنه مبتدأ وخبر بغير إضمار ولا حذف، وحكي عن الأخفش أن الرفع أولى وأحسن. قال ابن الأنباري: من رفع أو نصب لم يقف على أحسن الخالقين على جهة التمام لأن الله مترجم عن أحسن الخالقين على الوجهين جميعا، والمعنى: أنه خالقكم وخالق من قبلكم فهو الذي تحق له العبادة (فكذبوه فإنهم لمحضرون) أي فإنهم بسبب تكذيبه لمحضرون في العذاب، وقد تقدم أن الإحضار المطلق مخصوص بالشر (إلا عباد الله المخلصين) أي من كان مؤمنا به من قومه، قرئ بكسر اللام وفتحها كما تقدم، والمعنى على قراءة الكسر: أنهم أخلصوا لله، وعلى قراءة الفتح: أن الله استخلصهم من عباده. وقد تقدم تفسير (وتركنا عليه في الآخرين سلام على آل ياسين) قرأ نافع وابن عامر والأعرج وشيبة على آل ياسين بإضافة آل بمعنى آل ياسين، وقرأ الباقون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة بياسين إلا الحسن، فإنه قرأ " الياسين " بإدخال آلة التعريف على ياسين، قيل المراد على هذه القراءات كلها إلياس، وعليه وقع التسليم، ولكنه اسم أعجمي، والعرب تضطرب في هذه الأسماء الأعجمية ويكثر تغييرهم لها. قال ابن جني: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا، فياسين، وإلياس، وإلياسين شئ واحد. قال الأخفش: العرب تسمي قوم الرجل باسم الرجل الجليل منهم، فيقولون المهالبة على أنهم سموا كل رجل منهم بالمهلب. قال: فعلى هذا إنه سمي كل رجل منهم بالياسين.
قال الفراء: يذهب بالياسين إلى أن يجعله جمعا فيجعل أصحابه داخلين معه في اسمه. قال أبو علي الفارسي: