الأخبار) الاصطفاء: الاختيار، والأخيار جمع خير بالتشديد والتخفيف كأموات في جمع ميت مشددا ومخففا، والمعنى: إنهم عندنا لمن المختارين من أبناء جنسهم من الأخيار (واذكر إسماعيل) قيل وجه إفراده بالذكر بعد ذكر أبيه وأخيه وابن أخيه للإشعار بأنه عريق في الصبر الذي هو المقصود بالتذكير هنا (واليسع وذا الكفل) قد تقدم ذكر اليسع، والكلام فيه في الأنعام، وتقدم ذكر ذا الكفل والكلام فيه في سورة الأنبياء، والمراد من ذكر هؤلاء أنهم من جملة من صبر من الأنبياء وتحملوا الشدائد في دين الله. أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يذكرهم ليسلك مسلكهم في الصبر (وكل من الأخيار) يعني الذين اختارهم الله لنبوته واصطفاهم من خلقه (هذا ذكر) الإشارة إلى ما تقدم من ذكر أوصافهم: أي هذا ذكر جميل في الدنيا وشرف يذكرون به أبدا (وإن للمتقين لحسن مآب) أي لهم مع هذا الذكر الجميل حسن مآب في الآخرة، والمآب المرجع، والمعنى: أنهم يرجعون في الآخرة إلى مغفرة الله ورضوانه ونعيم جنته. ثم بين حسن المرجع فقال (جنات عدن) قرأ الجمهور " جنات " بالنصب بدلا من حسن مآب، سواء كان جنات عدن معرفة أو نكرة لأن المعرفة تبدل من النكرة وبالعكس، ويجوز أن يكون جنات عطف بيان إن كانت نكرة، ولا يجوز ذلك فيها إن كانت معرفة على مذهب جمهور النحاة وقد جوزه بعضهم. ويجوز أن يكون نصب جنات بإضمار فعل. والعدن في الأصل الإقامة، يقال عدن بالمكان: إذا أقام فيه وقيل هو اسم لقصر في الجنة، وقرئ برفع جنات على أنها مبتدأ. وخبرها مفتحة أو على أنها خبر مبتدأ محذوف:
أي هي جنات عدن، وقوله (مفتحة لهم الأبواب) حال من جنات، والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل، والأبواب مرتفعة باسم المفعول: كقوله - وفتحت أبوابها - والرابط بين الحال وصاحبها ضمير مقدر، أي منها، أو الألف واللام لقيامه مقام الضمير، إذ الأصل أبوابها. وقيل إن ارتفاع الأبواب على البدل من الضمير في مفتحة العائد على جنات، وبه قال أبو علي الفارسي: أي مفتحة هي الأبواب. قال الفراء: المعنى مفتحة أبوابها، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة. وقال الزجاج: المعنى مفتحة لهم الأبواب منها. قال الحسن: إن الأبواب يقال لها: انفتحي فتنفتح انغلقي فتنغلق، وقيل تفتح لهم الملائكة الأبواب، وانتصاب (متكئين فيها) على الحال من ضمير لهم، والعامل فيه مفتحة، وقيل هو حال من (يدعون) قدمت على العامل (فيها) أي يدعون في الجنات حال كونهم متكئين فيها (بفاكهة كثيرة) أي بألوان متنوعة متكثرة من الفواكه (وشراب) كثير، فحذف كثيرا لدلالة الأول عليه، وعلى جعل " متكئين " حالا من ضمير لهم، والعامل فيه مفتحة، فتكون جملة " يدعون " مستأنفة لبيان حالهم. وقيل إن يدعون في محل نصب على الحال من ضمير متكئين (وعندهم قاصرات الطرف أتراب) أي قاصرات طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم، وقد مضى بيانه في سورة الصافات. والأتراب: المتحدات في السن، أو المتساويات في الحسن. وقال مجاهد: معنى أتراب أنهن متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن. وقيل أترابا للأزواج. والأتراب جمع ترب، واشتقاقه من التراب لأنه يمسهن في وقت واحد لاتحاد مولدهن (هذا ما توعدون ليوم الحساب) أي هذا الجزاء الذي وعدتم به لأجل يوم الحساب، فإن الحساب علة للوصول إلى الجزاء، أو المعنى في يوم الحساب. قرأ الجمهور " ما توعدون " بالفوقية على الخطاب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن ويعقوب بالتحتية على الخبر، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله " وإن للمتقين " فإنه خبر (إن هذا لرزقنا) أي إن هذا المذكور من النعم والكرامات لرزقنا الذي أنعمنا به عليكم (ماله من نفاد) أي انقطاع ولا يفنى أبدا، ومثله قوله - عطاء غير مجذوذ - فنعم الجنة لا تنقطع عن أهلها.