تستوي الحسنة ولا السيئة) أي لا تستوي الحسنة التي يرضى الله بها ويثيب عليها، ولا السيئة التي يكرهها الله ويعاقب عليها، ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات، وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصي، فإن اللفظ أوسع من ذلك. وقيل الحسنة التوحيد والسيئة الشرك. وقيل الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة. وقيل الحسنة العفو، والسيئة الانتصار. وقيل الحسنة العلم، والسيئة الفحش. قال الفراء " لا " في قوله ولا السيئة زائدة (ادفع بالتي هي أحسن) أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسئ بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، والاحتمال للمكروهات.
وقال مجاهد وعطاء: بالتي هي أحسن: يعني بالسلام إذا لقى من يعاديه، وقيل بالمصافحة عند التلاقي (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن، والمعنى: أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدو كالصديق، والبعيد عنك كالقريب منك. وقال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب كان معاديا للنبي لي الله عليه وآله وسلم فصار له وليا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالصهارة، وقيل غير ذلك، والأولى حمل الآية على العموم (وما يلقاها إلا الذين صبروا) قال الزجاج: ما يلقى هذه الفعلة وهذه الحالة، وهي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ واحتمال المكروه (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) في الثواب والخير. وقال قتادة: الحظ العظيم الجنة: أي ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة، وقيل الضمير في يلقاها عائد إلى الجنة، وقيل راجع إلى كلمة التوحيد. قرأ الجمهور " يلقاها " من التلقية، وقرأ طلحة بن مصرف وابن كثير في رواية عنه " يلاقاها " من الملاقاة. ثم أمره سبحانه بالاستعاذة من الشيطان فقال (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) النزغ شبيه النخس شبه به الوسوسة لأنها تبعث على الشر، والمعنى: وإن صرفك الشيطان عن شئ مما شرعه الله لك، أو عن الدفع بالتي هي أحسن فاستعذ بالله من شره، وجعل النزغ نازغا على المجاز العقلي كقولهم: جد جده، وجملة (إنه هو السميع العليم) تعليل لما قبلها:
أي السميع لكل ما يسمع، والعليم بكل ما يعلم، ومن كان كذلك فهو يعيذ من استعاذ به.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته، فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) وكان إذا أخفى قراءته لم يسمع من يحب أن يسمع القرآن، فأنزل الله - لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها -. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن قوله (ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس) قال: هو ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس. وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه عن أنس قال: " قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) قال: قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حين يموت فهو ممن استقام عليها.
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور ومسدد وابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عمران عن أبي بكر الصديق في قوله (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) قال: الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئا. وأخرج ابن راهويه وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال:
ما تقولون في هاتين الآيتين (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)، و - الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم - قالوا: