قوله (فإذا مس الإنسان) المراد بالإنسان هنا الجنس باعتبار بعض أفراده أو غالبها، وقيل المراد به الكفار فقط والأول أولى، ولا يمنع من حمله على الجنس خصوص سببه، لأن الاعتبار بعموم اللفظ وفاء بحق النظم القرآني ووفاء بمدلوله، والمعنى: أن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه ضر من مرض أو فقر أو غيرهما دعا الله وتضرع إليه في رفعه ودفعه (ثم إذا خولناه نعمة منا) أي أعطيناه نعمة كائنة من عندنا (قال إنما أوتيته على علم) مني بوجوه المكاسب، أو على خير عندي، أو على علم من الله بفضلي. وقال الحسن: على علم علمني الله إياه، وقيل قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة وجاء بالضمير في أوتيته مذكرا مع كونه راجعا إلى النعمة لأنها بمعنى الإنعام. وقيل إن الضمير عائد إلى ما، وهي موصولة، والأول أولى (بل هي فتنة) هذا رد لما قاله أي ليس ذلك الذي أعطيناك لما ذكرت، بل هو محنة لك واختبار لحالك أتشكر أم تكفر؟ قال الفراء: أنت الضمير في قوله " هي " لتأنيث الفتنة، ولو قال بل هو فتنة لجاز. وقال النحاس: بل عطيته فتنة. وقيل تأنيث الضمير باعتبار لفظ الفتنة، وتذكير الأول في قوله " أوتيته " باعتبار معناها (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن ذلك استدراج لهم من الله وامتحان لما عندهم من الشكر أو الكفر (قد قالها الذين من قبلهم) أي قال هذه الكلمة التي قالوها وهي قولهم: إنما أوتيته على علم الذين من قبلهم كقارون وغيره، فإن قارون قال: إنما أوتيته على علم عندي (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) يجوز أن تكون ما هذه نافية: أي لم يغن عنهم ما كسبوا من متاع الدنيا شيئا، وأن تكون استفهامية: أي أي شئ أغنى عنهم ذلك (فأصابهم سيئات ما كسبوا) أي جزاء سيئات كسبهم، أو أصابهم سيئات هي جزاء كسبهم، وسمى الجزاء سيئات لوقوعها في مقابلة سيئاتهم، فيكون ذلك من باب المشاكلة كقوله - وجزاء سيئة سيئة مثلها - ثم أوعد سبحانه الكفار في عصره فقال (والذين ظلموا من هؤلاء) الموجودين من الكفار (سيصيبهم سيئات ما كسبوا) كما أصاب من قبلهم، وقد أصابهم في الدنيا ما أصابهم من القحط والقتل والأسر والقهر (وما هم بمعجزين) أي بفائتين على الله بل مرجعهم إليه يصنع بهم ما شاء من العقوبة (أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء) أي يوسع الرزق لمن يشاء أن يوسعه له (ويقدر) أي يقبضه لمن يشاء أن يقبضه ويضيقه عليه. قال مقاتل: وعظهم الله ليعتبروا في توحيده، وذلك حين مطروا بعد سبع سنين، فقال: أولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء ويقتر على من يشاء (إن في ذلك لآيات) أي في ذلك المذكور لدلالات عظيمة وعلامات جليلة (لقوم يؤمنون) وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون بالآيات المتفكرون فيها. ثم لما ذكر سبحانه ما ذكره من الوعيد عقبه بذكر سعة رحمته وعظيم مغفرته وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبشرهم بذلك فقال (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) المراد بالإسراف الإفراط في المعاصي والاستكثار منها.
ومعنى لا تقنطوا: لا تيأسوا من رحمة الله من مغفرته. ثم لما نهاهم عن القنوط أخبرهم بما يدفع ذلك ويرفعه ويجعل الرجاء مكان القنوط فقال (إن الله يغفر الذنوب جميعا).