وقال السدي: ذهب إليهم، وقال أبو مالك: جاء إليهم، وقال الكلبي: أقبل عليهم، والمعنى متقارب (فقال ألا تأكلون) أي فقال إبراهيم للأصنام التي راغ إليها استهزاء وسخرية: ألا تأكلون من الطعام الذي كانوا يصنعونه لها، وخاطبها كما يخاطب من يعقل، لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة، وكذا قوله (مالكم لا تنطقون) فإنه خاطبهم خطاب من يعقل، والاستفهام للتهكم بهم لأنه قد علم أنها جمادات لا تنطق. قيل إنهم تركوا عند أصنامهم طعامهم للتبرك بها وليأكلوه إذا رجعوا من عيدهم. وقيل تركوه للسدنة، وقيل إن إبراهيم هو الذي قرب إليها الطعام مستهزئا بها (فراغ عليهم ضربا باليمين) أي فمال عليهم يضربهم ضربا باليمين فانتصابه على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف، أو هو مصدر لراغ، لأنهم بمعنى ضرب. قال الواحدي: قال المفسرون: يعني بيده اليمنى يضربهم بها. وقال السدي: بالقوة والقدرة لأن اليمين أقوى اليدين. قال الفراء وثعلب ضربا بالقوة، واليمين القوة. وقال الضحاك والربيع بن أنس: المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال - وتالله لأكيدن أصنامكم - وقيل المراد باليمين هنا العدل كما في قوله - ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين - أي بالعدل، واليمين كناية عن العدل كما أن الشمال كناية عن الجور، وأول هذه الأقوال أولا ها (فأقبلوا إليه يزفون) أي أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون لما علموا بما صنعه بها، ويزفون في محل نصب على الحال من فاعل أقبلوا. قرأ الجمهور " يزفون " بفتح الياء من زف الظليم يزف إذا عدا بسرعة، وقرأ حمزة بضم الياء من أزف يزف: أي دخل في الزفيف، أو يحملون غيرهم على الزفيف. قال الأصمعي: أزففت الإبل: أي حملتها على أن تزف، وقيل هما لغتان، يقال زف القوم وأزفوا، وزفت العروس وأزففتها، حكى ذلك عن الخليل. قال النحاس: زعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة: يعني يزفون بضم الياء، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء، وشبهها بقولهم أطردت الرحل: أي صيرته إلى ذلك، وقال المبرد: الزفيف الإسراع. وقال الزجاج: الزفيف أول عدو النعام. وقال قتادة والسدي: معنى يزفون يمشون. وقال الضحاك: يسعون. وقال يحيى بن سلام: يرعدون غضبا. وقال مجاهد: يختالون: أي يمشون مشي الخيلاء، وقيل يتسللون تسللا بين المشي والعدو، والأولى تفسير يزفون بيسرعون، وقرئ " يزفون " على البناء للمفعول، وقرئ " يزفون " كيرمون. وحكى الثعلبي عن الحسن ومجاهد وابن السميفع أنهم قرأوا " يرفون " بالراء المهملة، وهي ركض بين المشي والعدو (قال أتعبدون ما تنحتون) لما أنكروا على إبراهيم ما فعله بالأصنام، ذكر لهم الدليل الدال على فساد عبادتها فقال مبكتا لهم ومنكرا عليهم (أتعبدون ما تنحتون) أي أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها، والنحت النجر والبري، نحته ينحته بالكسر نحتا: أي براه، والنحاتة البراية، وجملة (والله خلقكم وما تعملون) في محل نصب على الحال من فاعل تعبدون، و " ما " في " وما تعملون " موصولة: أي وخلق الذي تصنعونه على العموم ويدخل فيها الأصنام التي ينحتونها دخولا أوليا، ويكون معنى العمل هنا التصوير والنحت ونحوهما، ويجوز أن تكون مصدرية: أي خلقكم وخلق عملكم، ويجوز أن تكون استفهامية، ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقريع: أي وأي شئ تعملون، ويجوز أن تكون نافية: أي إن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئا، وقد طول صاحب الكشاف الكلام في رد قول من قال إنها مصدرية، ولكن بما لا طائل تحته، وجعلها موصولة أولى بالمقام وأوفق بسياق الكلام، وجملة (قالوا بنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم) مستأنفة جواب سؤال مقدر كالجملة التي قبلها، قالوا هذه المقالة لما عجزوا عن جواب ما أورده عليهم من الحجة الواضحة، فتشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له حائطا من حجارة ويملؤوه حطبا ويضرموه، ثم يلقوه فيه، والجحيم النار الشديدة الاتقاد. قال الزجاج: وكل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم، واللام في الجحيم عوض عن المضاف إليه: أي في جحيم ذلك البنيان، ثم لما ألقوه فيها نجاه الله منها وجعلها عليه بردا وسلاما، وهو معنى قوله (فأرادوا به كيدا فجعلناهم
(٤٠٢)