لما ذكر سبحانه قصة زيد وطلاقه لزينب، وكان قد دخل بها وخطبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد انقضاء عدتها كما تقدم خاطب المؤمنين مبينا لهم حكم الزوجة إذا طلقها زوجها قبل الدخول فقال (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات) أي عقدتم بهن عقد النكاح، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد كما قاله صاحب الكشاف والقرطبي وغيرهما.
وقد اختلف في لفظ النكاح هل هو حقيقة في الوطء، أو في العقد، أو فيهما على طريقة الاشتراك، وكلام صاحب الكشاف في هذا الموضع يشعر بأنه حقيقة في الوطء، فإنه قال النكاح الوطء، وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق إليه، ونظيره تسمية الخمر إثما لأنها سبب في اقتراف الإثم. ومعنى (من قبل أن تمسوهن) من قبل أن تجامعوهن، فكنى عن ذلك بلفظ المس (فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) وهذا مجمع عليه كما حكى ذلك القرطبي وابن كثير، ومعنى تعتدونها: تستوفون عددها، من عددت الدراهم فأنا أعتدها.
وإسناد ذلك إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق لهم كما يفيده (فمالكم عليهن من عدة) قرأ الجمهور " تعتدونها " بتشديد الدال، وقرأ ابن كثير في رواية عنه وأهل مكة بتخفيفها. وفى هذه القراءة وجهان: أحدهما أن تكون بمعنى الأولى، مأخوذة من الاعتداد: أي تستوفون عددها، ولكنهم تركوا التضعيف لقصد التخفيف. قال الرازي: ولو كان من الاعتداء الذي هو الظلم لضعف، لأن الاعتداء يتعدى بعلى. وقيل يجوز أن يكون من الاعتداء بحذف حرف الجر: أي تعتدون عليها: أي على العدة مجازا، ومثله قوله:
تحن فتبدي ما بها من صبابة * وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني أي لقضى علي. والوجه الثاني أن يكون المعنى تعتدون فيها، والمراد بالاعتداء هذا هو ما في قوله - ولا تمسكوهن ضرار لتعتدوا - فيكون معنى الآية على القراءة الآخرة: فما لكم عليهن من عدة تعتدون عليهن فيها بالمضارة. وقد أنكر ابن عطية صحة هذه القراءة عن ابن كثير وقال: إن البزي غلط عليه، وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى - والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - وبقوله - واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر - والمتعة المذكورة هنا قد تقدم الكلام فيها في البقرة. وقال سعيد بن جبير: هذه المتعة المذكورة هنا