والأقارب، وقيل هو كمال العقل، وقيل البلوغ (فذوقوا فما للظالمين من نصير) أي فذوقوا عذاب جهنم، لأنكم لم تعتبروا ولم تتعظوا، فما لكم ناصر يمنعكم من عذاب الله، ويحول بينكم وبينه. قال مقاتل: فذوقوا العذاب، فما للمشركين من مانع يمنعهم (إن الله عالم غيب السماوات والأرض) قرأ الجمهور بإضافة عالم إلى غيب، وقرأ جناح بن حبيش بالتنوين ونصب غيب. والمعنى: أنه عالم بكل شئ ومن ذلك أعمال لا تخفى عليه منها خافية، فلو ردكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا كما قال سبحانه - ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه - (إنه عليم بذات الصدور) تعليل لما قبله، لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفى من كل شئ علم ما فوقها بالأولى، وقيل هذه الجملة مفسرة للجملة الأولى (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أي جعلكم أمة خالفة لمن قبلها. قال قتادة: خلفا بعد خلف وقرنا بعد قرن، والخلف: هو التالي للمتقدم، وقيل جعلكم خلفاءه في أرضه (فمن كفر) منكم هذه النعمة (فعليه كفره) أي عليه ضرر كفره، لا يتعداه إلى غيره (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا) أي غضبا وبغضا (ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا) أي نقصا وهلاكا، والمعنى: أن الكفر لا ينفع عند الله حيث لا يزيدهم إلا المقت، ولا ينفعهم في أنفسهم حيث لا يزيدهم إلا الخسار. ثم أمره سبحانه أن يوبخهم ويبكتهم فقال (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله) أي أخبروني عن الشركاء الذين اتخذتموهم آلهة وعبدتموهم من دون الله، وجملة (أروني ماذا خلقوا من الأرض) بدل اشتمال من أرأيتم، والمعنى: أخبروني عن شركائكم، أروني أي شئ خلقوا من الأرض؟ وقيل إن الفعلان، وهما أرأيتم وأروني من باب التنازع. وقد أعمل الثاني على ما هو اختيار البصريين (أم لهم شرك في السماوات) أي أم لهم شركة مع الله في خلقها أو ملكها أو التصرف فيها حتى يستحقوا بذلك الشركة في الإلهية (أم آتيناهم كتابا) أي أم أنزلنا عليهم كتابا بالشركة (فهم على بينات منه) أي على حجة ظاهرة واضحة من ذلك الكتاب. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم " بينة " بالتوحيد، وقرأ الباقون بالجمع. قال مقاتل: يقول هل أعطينا كفار مكة كتابا، فهم على بيان منه بأن مع الله شريكا. ثم أضرب سبحانه عن هذا إلى غيره فقال (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) أي ما يعد الظالمون بعضهم بعضا كما يفعله الرؤساء والقادة من المواعيد لأتباعهم إلا غرورا يغرونهم به ويزينونه لهم، وهو الأباطيل التي تغر ولا حقيقة لها، وذلك قولهم: إن هذه الآلهة تنفعهم وتقربهم إلى الله، وتشفع لهم عنده. وقيل إن الشياطين تعد المشركين بذلك، وقيل المراد بالوعد الذي يعد بعضهم بعضا هو أنهم ينصرون على المسلمين ويغلبونهم، وجملة (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) مستأنفة لبيان قدرة الله سبحانه، وبديع صنعه بعد بيان ضعف الأصنام وعدم قدرتها على شئ، وقيل المعنى: إن شركهم يقتضي زوال السماوات والأرض كقوله - تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن ادعوا للرحمن ولدا - (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) أي ما أمسكهما من أحد من بعد إمساكه، أو من بعد زوالهما، والجملة سادة مسد جواب القسم والشرط، ومعنى (أن تزولا) لئلا تزولا، أو كراهة أن تزولا. قال الزجاج: المعنى أن الله يمنع السماوات والأرض من أن تزولا، فلا حاجة إلى التقدير. قال الفراء: أي ولو زالتا ما أمسكهما من أحد، قال: وهو مثل قوله - ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون - وقيل المراد زوالهما يوم القيامة، وجملة (إنه كان حليما غفورا) تعليل لما قبلها من إمساكه تعالى للسموات والأرض (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) المراد قريش، أقسموا قبل أن يبعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بهذا القسم حيث بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، ومعنى (من إحدى الأمم) يعني المكذبة للرسل، والنذير:
(٣٥٥)