لما فرغ سبحانه من قصة موسى شرع في قصة داود وابنه سليمان، وهذه القصص وما قبلها وما بعدها هي كالبيان والتقرير لقوله - وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم -، والتنوين في (علما) إما للنوع: أي طائفة من العلم، أو للتعظيم: أي علما كثيرا، والواو في قوله (وقالا الحمد لله) للعطف على محذوف، لأن هذا المقام مقام الفاء، فالتقدير: ولقد آتيناهما علما فعملا به وقالا الحمد لله، ويؤيده أن الشكر باللسان إنما يحسن إذا كان مسبوقا بعمل القلب، وهو العزم على فعل الطاعة وترك المعصية (الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) أي فضلنا بالعلم والنبوة وتسخير الطير والجن والإنس ولم يفضلوا أنفسهم على الكل تواضعا منهم. وفي الآية دليل على شرف العلم وارتفاع محله، وأن نعمة العلم من أجل النعم التي ينعم الله بها على عباده، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلا على كثير من العباد، ومنح شرفا جليلا (وورث سليمان داود) أي ورثه العلم والنبوة. قال قتادة والكلبي:
كان لداود تسعة عشر ولدا ذكرا فورث سليمان من بينهم نبوته، ولو كان المراد وراثة المال لم يخص سليمان بالذكر لأن جميع أولاده في ذلك سواء، وكذا قال جمهور المفسرين، فهذه الوراثة هي وراثة مجازية كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم " العلماء ورثة الأنبياء " (وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير) قال سليمان هذه المقالة مخاطبا