نكاحهن على المؤمنين. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق شعبة مولى ابن عباس قال: كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال: إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله علي، وقد رزقني الله منها توبة فأردت أن أتزوجها، فقال الناس: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، فقال ابن عباس: ليس هذا موضع هذه الآية، إنما كن نساء بغايا متعالنات يجعلن على أبوابهن رايات يأتيهن الناس يعرفن بذلك، فأنزل الله هذه الآية، تزوجها فما كان فيها من إثم فعلي. وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن علي بن أبي طالب أن رجلا تزوج امرأة، ثم إنه زنى فأقيم عليه الحد، فجاءوا به إلى علي ففرق بينه وبين امرأته، وقال: لا تتزوج إلا مجلودة مثلك.
قوله (والذين يرمون) استعار الرمي للشتم بفاحشة الزنا لكونه جناية بالقول كما قال النابغة:
* وجرح اللسان كجرح اليد * وقال آخر:
رماني بأمر كنت عنه ووالدي * بريا ومن أجل الطوى رماني ويسمى هذا الشتم بهذه الفاحشة الخاصة قذفا، والمراد بالمحصنات النساء، وخصهن بالذكر لأن قذفهن أشنع والعار فيهن أعظم، ويلحق الرجال بالنساء في هذا الحكم بلا خلاف بين علماء هذه الأمة، وقد جمعنا في ذلك رسالة رددنا بها على بعض المتأخرين من علماء القرن الحادي عشر لما نازع في ذلك. وقيل إن الآية تعم الرجال والنساء، والتقدير: والأنفس المحصنات، ويؤيد هذا قوله تعالى في آية أخرى " والمحصنات من النساء " فإن البيان بكونهن من النساء يشعر بأن لفظ المحصنات يشمل غير النساء وإلا لم يكن للبيان كثير معنى، وقيل أراد بالمحصنات الفروج كما قال - والتي أحصنت فرجها _ فتتناول الآية الرجال والنساء. وقيل إن لفظ المحصنات وإن كان للنساء لكنه هاهنا يشمل النساء والرجال تغليبا، وفيه أن تغليب النساء على الرجال غير معروف في لغة العرب والمراد بالمحصنات هنا العفائف، وقد مضى في سورة النساء ذكر الإحصان وما يحتمله من المعاني. وللعلماء في الشروط المعتبرة في المقذوف والقاذف أبحاث مطولة مستوفاة في كتب الفقه، منها ما هو مأخوذ من دليل، ومنها