ومعنى " من بينهم " أنهم اختلفوا فيما بينهم، وقيل اختلفوا من بين من بعث إليهم من اليهود والنصارى، والأحزاب هي الفرق المتحزبة (فويل للذين ظلموا) من هؤلاء المختلفين، وهم الذين أشركوا بالله ولم يعملوا بشرائعه (من عذاب يوم أليم) أي أليم عذابه وهو يوم القيامة (هل ينظرون إلا الساعة) أي هل يرتقب هؤلاء الأحزاب وينتظرون إلا الساعة (أن تأتيهم بغتة) أي فجأة (وهم لا يشعرون) أي لا يفطنون بذلك، وقيل المراد بالأحزاب الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذبوه، وهم المراد بقوله (هل ينظرون إلا الساعة) والأول أولى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) أي الأخلاء في الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة بعضهم لبعض عدو: أي يعادي بعضهم بعضا، لأنها قد انقطعت بينهم العلائق واشتغل كل واحد منهم بنفسه، ووجدوا تلك الأمور التي كانوا فيها أخلاء أسبابا للعذاب فصاروا أعداء. ثم استثنى المتقين فقال (إلا المتقين) فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة، لأنهم وجدوا تلك الخلة التي كانت بينهم من أسباب الخير والثواب فبقيت خلتهم على حالها (يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) أي يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله بهذه المقالة فيذهب عند ذلك خوفهم ويرتفع حزنهم (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) الموصول يجوز أن يكون نعتا لعبادي، أو بدلا منه، أو عطف بيان له، أو مقطوعا عنه في محل نصب على المدح، أو في محل رفع بالابتداء وخبره (ادخلوا الجنة) على تقدير: يقال لهم ادخلوا الجنة. والأول أولى، وبه قال الزجاج. قال مقاتل: إذا وقع الخوف يوم القيامة نادى مناد يا عبادي لا خوف عليكم، فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رؤوسهم، فيقال الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فينكس أهل الأوثان رؤوسهم غير المسلمين. قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو يا عبادي بإثبات الياء ساكنة وصلا ووقفا، وقرأ أبو بكر وزر بن حبيش بإثباتها وفتحها في الحالين، وقرأ الباقون بحذفها في الحالين (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم) المراد بالأزواج نساؤهم المؤمنات، وقيل قرناؤهم من المؤمنين، وقيل زوجاتهم من الحور العين (تحبرون) تكرمون، وقيل تنعمون، وقيل تفرحون، وقيل تسرون، وقيل تعجبون، وقيل تلذذون هو بالسماع، والأولى تفسير ذلك بالفرح والسرور الناشئين عن الكرامة والنعمة (يطاف عليهم بصحاف من ذهب) الصحاف جمع صحفة: وهي القصعة الواسعة العريضة. قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة، وهي تشبع عشرة، ثم الصحفة، وهي تشبع خمسة، ثم المكيلة وهي تشبع الرجلين والثلاثة، والمعنى:
أن لهم في الجنة أطعمه يطاف عليهم بها في صحاف الذهب (و) لهم فيها أشربة يطاف عليهم بها في أل (أكواب) وهي جمع كوب. قال الجوهري: الكوب كوز لا عروة له، والجمع أكواب. قال الأعشى:
صريفية طيب طعمها * لها زيد بين كوب ودن وقال آخر: متكئا تصفق أبوابه * يسعى عليه العبد بالكوب قال قتادة: الكوب المدور القصير العنق القصير العروة، والإبريق المستطيل العنق الطويل العروة. وقال الأخفش: الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها. وقال قطرب: هي الأباريق التي ليست لها عرى (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) قرأ الجمهور " تشتهي " وقرأ نافع وابن عامر وحفص " تشتهيه " بإثبات الضمير العائد على الموصول، والمعنى: ما تشتهيه أنفس أهل الجنة من فنون الأطعمة والأشربة ونحوهما مما تطلبه النفس وتهواه كائنا ما كان، وتلذ الأعين من كل المستلذات التي تستلذ بها وتطلب مشاهدتها، تقول لذ الشئ يلذ لذاذا ولذاذة: إذا وجده لذيذا والتذ به، وفي مصحف عبد الله بن مسعود " تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين " (وأنتم فيها