أهدى من الكتابين، وجواب الشرط (فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) أي آراءهم الزائغة واستحساناتهم الزائفة بلا حجة ولا برهان، وقيل المعنى: فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بما جئت به، وتعدية يستجيبوا باللام هو أحد الجائزين (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) أي لا أحد أضل منه، بل هو الفرد الكامل في الضلال (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) لأنفسهم بالكفر وتكذيب الأنبياء والإعراض عن آيات الله (ولقد وصلنا لهم القول) قرأ الجمهور " وصلنا " بتشديد الصاد، وقرأ الحسن بتخفيفها، ومعنى الآية: أتبعنا بعضه بعضا وبعثنا رسولا بعد رسول. وقال أبو عبيدة والأخفش: معناه أتممنا. وقال ابن عيينة والسدي: بينا. وقال ابن زيد: وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، والأولى أولى. وهو مأخوذ من وصل الحبال بعضها ببعض، ومنه قول الشاعر:
فقل لبني مروان ما بال ذمتي * بحبل ضعيف لا تزال توصل وقال امرؤ القيس: * يقلب كفيه بخيط موصل * والضمير في " لهم " عائد إلى قريش، وقيل إلى اليهود، وقيل للجميع (لعلهم يتذكرون) فيكون التذكر سببا لإيمانهم مخافة أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم (الذين آتيناهم الكتاب من قبله) أي من قبل القرآن، والموصول مبتدأ وخبره (هم به يؤمنون) أخبر سبحانه أن طائفة من بني إسرائيل آمنوا بالقرآن كعبد الله بن سلام وسائر من أسلم من أهل الكتاب، وقيل الضمير في " من قبله " يرجع إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والأول أولى. والضمير في " به " راجع إلى القرآن على القول الأول، وإلى محمد على القول الثاني (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به) أي وإذا يتلى القرآن عليهم قالوا صدقنا به (إنه الحق من ربنا) أي الحق الذي نعرفه المنزل من ربنا (إنا كنا من قبله مسلمين) أي مخلصين لله بالتوحيد، أو مؤمنين بمحمد وبما جاء به لما نعلمه من ذكره في التوراة والإنجيل من التبشير به، وأنه سيبعث آخر الزمان وينزل عليه القرآن، والإشارة بقوله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) إلى الموصوفين بتلك الصفات، والباء في (بما صبروا) للسببية: أي بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمان بالكتاب الأول والكتاب الآخر، وبالنبي الأول والنبي الآخر (ويدرءون بالحسنة السيئة) الدرء الدفع: أي يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن ما يلاقونه من الأذى. وقيل يدفعون بالطاعة المعصية، وقيل بالتوبة والاستغفار من الذنوب، وقيل بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك (ومما رزقناهم ينفقون) أي ينفقون أموالهم في الطاعات وفيما أمر به الشرع. ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو فقال (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) تكرما وتنزها وتأدبا بآداب الشرع، ومثله قوله سبحانه - وإذا مرو باللغو مروا كراما -، واللغو هنا هو ما يسمعونه من المشركين من الشتم لهم ولدينهم والاستهزاء بهم (وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) لا يلحقنا من ضرر كفركم شئ، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شئ (سلام عليكم) ليس المراد بهذا السلام سلام التحية، ولكن المراد به سلام المتاركة، ومعناه أمنة لكم منا وسلامة لا نجاريكم لو ولا نجاوبكم يكون فيما أنتم فيه. قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال (لا نبتغي الجاهلين) أي لا نطلب صحبتهم. وقال مقاتل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه. وقال الكلبي:
لا نحب دينكم الذي أنتم عليه (إنك لا تهتدي من أحببت) من الناس وليس ذلك إليك (ولكن الله يهدي من يشاء) هدايته (وهو أعلم بالمهتدين) أي القابلين للهداية المستعدين لها، وهذه الآية نزلت في أبي طالب كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وقد تقدم ذلك في براءة. قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل في ذلك أبو طالب دخولا أوليا (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) أي قال مشركو قريش ومن تابعهم: إن ندخل في دينك يا محمد نتخطف