أنفسهم) أي لم يكن لهم شهداء يشهدون بما رموهن به من الزنا إلا أنفسهم بالرفع على البدل من شهداء. قيل ويجوز النصب على خبر يكن. قال الزجاج: أو على الاستثناء على الوجه المرجوح (فشهادة أحدهم أربع شهادات) قرأ الكوفيون برفع أربع على أنها خبر لقوله (فشهادة أحدهم) أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو أربع بالنصب على المصدر، ويكون (فشهادة أحدهم) خبر مبتدأ محذوف:
أي فالواجب شهادة أحدهم، أو مبتدأ محذوف الخبر: أي فشهادة أحدهم واجبة. وقيل إن أربع منصوب بتقدير: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات وقوله (بالله) متعلق بشهادة أو بشهادات، وجملة (إنه لمن الصادقين) هي المشهود به، وأصله على أنه فحذف الجار وكسرت إن، وعلق العامل عنها (والخامسة) قرأ السبعة وغيرهم الخامسة بالرفع على الابتداء، وخبرها (أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين) وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص " والخامسة " بالنصب على معنى وتشهد الشهادة الخامسة، ومعنى (إن كان من الكاذبين) أي فيما رماها به من الزنا. قرأ الجمهور بتشديد " أن " من قوله (أن لعنة الله) وقرأ نافع بتخفيفها، فعلى قراءة نافع يكون اسم أن ضمير الشأن، ولعنة الله مبتدأ، وعليه خبره، والجملة خبر أن، وعلى قراءة الجمهور تكون لعنة الله اسم أن، قال سيبويه: لا تخفف أن في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة. وقال الأخفش: لا أعلم الثقيلة إلا أجود في العربية (ويدرأ عنها العذاب) أي عن المرأة، والمراد بالعذاب الدنيوي: وهو الحد، وفاعل يدرأ قوله (أن تشهد أربع شهادات بالله) والمعنى: أنه يدفع عن المرأة الحد شهادتها أربع شهادات بالله: أن الزوج (لمن الكاذبين والخامسة) بالنصب عطفا على أربع: أي وتشهد الخامسة كذلك قرأ حفص والحسن والسلمي وطلحة والأعمش، وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء، وخبره (أن غضب الله عليها إن كان) الزوج (من الصادقين) فيما رماها به من الزنا، وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونها أصل الفجور ومادته، ولأن النساء يكثرن اللعن في العادة، ومع استكثارهن منه لا يكون له في قلوبهن كبير موقع بخلاف الغضب (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) جواب لولا محذوف. قال الزجاج: المعنى ولولا فضل الله لنال الكاذب منهما عذاب عظيم. ثم بين سبحانه كثير توبته على من تاب وعظيم حكمته البالغة فقال (وأن الله تواب حكيم) أي يعود على من تاب إليه، ورجع عن معاصيه بالتوبة عليه والمغفرة له: حكيم فيما شرع لعباده من اللعان وفرض عليهم من الحدود.
وقد أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (إلا الذين تابوا) قال: تاب الله عليهم من الفسوق، وأما الشهادة فلا تجوز. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة:
إن تبت قبلت شهادتك. وأخرج ابن مردويه عنه قال: توبتهم إكذابهم أنفسهم، فإن أكذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: من تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل. وفي الباب روايات عن التابعين. وقصة قذف المغيرة في خلافة عمر مروية من طرق معروفة. وأخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل رسول الله صلى عليه وآله وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، ونزل جبريل فأنزل عليه (والذين يرمون أزواجهم) حتى بلغ (إن كان من الصادقين) فانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الله يعلم أن أحدكما كاذب