(وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة) أي ما ينتظرون إلا صيحة، وهي النفخة الكائنة عند قيام الساعة. وقيل هي النفخة الثانية، وعلى الأول المراد من عاصر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من الكفار، وعلى الثاني المراد كفار الأمم المذكورة: أي ليس بينهم وبين حلول ما أعد الله لهم من عذاب النار إلا أن ينفخ في الصور النفخة الثانية. وقيل المراد بالصيحة عذاب يفجؤهم في الدنيا كما قال الشاعر:
صاح الزمان بآل برمك صيحة * خروا لشدتها على الأذقان وجملة (ما لها من فواق) في محل نصب صفة لصيحة. قال الزجاج: فواق وفواق بفتح الفاء وضمها أي ما لها من رجوع، والفواق ما بين حلبتي الناقة، وهو مشتق من الرجوع أيضا، لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين، وأفاق من مرضه: أي رجع إلى الصحة، ولهذا قال مجاهد ومقاتل: إن الفواق الرجوع. وقال قتادة مالها من مثنوية. وقال السدي: مالها من إفاقة، وقيل مالها من مرد. قال الجوهري: مالها من نظرة وراحة وإفاقة، ومعنى الآية أن تلك الصيحة هي ميعاد عذابهم، فإذا جاءت لم ترجع ولا ترد عنهم ولا تصرف منهم ولا تتوقف مقدار فواق ناقة، وهي ما بين حلبتي الحالب لها، ومنه قول الأعشى:
حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت * جاءت لترضع شق النفس لو رضعا والفيقة اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، وجمعها فيق وأفواق. قرأ حمزة والكسائي ما لها من فواق بضم الفاء وقرأ الباقون بفتحها. قال الفراء وأبو عبيدة: الفواق بفتح الفاء الراحة: أي لا يفيقون فيها كما يفيق المريض والمغشي عليه، وبالضم الانتظار (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) لما سمعوا ما توعدهم الله به من العذاب قالوا هذه المقالة استهزاء وسخرية، والقط في اللغة النصيب، من القط، وهو القطع، وبهذا قال قتادة وسعيد بن جبير قال الفراء: القط في كلام العرب الحظ والنصيب، ومنه قيل للصك قط. قال أبو عبيدة والكسائي: القط الكتاب بالجوائز، والجمع القطوط، ومنه قول الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته * بغبطته يعطي القطوط ويأفق ومعنى يأفق يصلح، ومعنى الآية سؤالهم لربهم أن يعجل لهم نصيبهم وحظهم من العذاب، وهو مثل قوله - ويستعجلونك بالعذاب -. وقال السدي: سألوا ربهم أن يمثل لهم منازلهم من الجنة ليعلموا حقيقة ما يوعدون به وقال إسماعيل بن أبي خالد: المعنى عجل لنا أرزاقنا، وبه قال سعيد بن جبير والسدي. وقال أبو العالية والكلبي ومقاتل: لما نزل - وأما من أوتي كتابه بيمينه، وأما من أوتى كتابه بشماله - قالت قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتي كتابنا بشمالنا فعجل لنا قطنا قبل يوم الحساب. ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يصبر على ما يسمعه من أقوالهم فقال (اصبر على ما يقولون) من أقوالهم الباطلة التي هذا القول المحكي عنهم من جملتها، وهذه الآية منسوخة بآية السيف (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) لما فرغ من ذكر قرون الضلالة، وأمم الكفر والتكذيب، وأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر على ما يسمعه زاد في تسليته وتأسيته بذكر قصة داود وما بعدها. ومعنى (أذكر عبدنا داود) أذكر قصته فإنك تجد فيها ما تتسلى به، والأيد: القوة ومنه رجل أيد: أي قوي، وتأيد الشئ: تقوي والمراد ما كان فيه عليه السلام من القوة على العبادة. قال الزجاج: وكانت قوة داود على العبادة أتم قوة، ومن قوته ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يصوم يوما يفطر يوما، وكان يصلي نصف الليل وكان لا يفر إذا لاقى العدو، وجملة (إنه أواب) تعليل لكونه ذا الأيد، والأواب: الرجاع عن كل ما يكرهه الله