لما فرغ سبحانه من ذكر ما ذكره من دلائل التوحيد رجع إلى ما كان فيه من الاستئذان فذكره هاهنا على وجه أخص فقال (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) والخطاب للمؤمنين وتدخل المؤمنات فيه تغليبا كما في غيره من الخطابات. قال العلماء: هذه الآية خاصة ببعض الأوقات. واختلفوا في المراد بقوله (ليستأذنكم) على أقوال: الأول أنها منسوخة، قاله سعيد بن المسيب. وقال سعيد بن جبير: إن الأمر فيها للندب لا للوجوب. وقيل كان ذلك واجبا حيث كانوا لا أبواب لهم، ولو عاد الحال لعاد الوجوب، حكاه المهدوي عن ابن عباس. وقيل إن الأمر هاهنا للوجوب، وإن الآية محكمة غير منسوخة، وأن حكمها ثابت على الرجال والنساء، قال القرطبي: وهو قول أكثر أهل العلم. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: إنها خاصة بالنساء. وقال ابن عمر: هي خاصة بالرجال دون النساء. والمراد بقوله " ملكت أيمانكم " العبيد والإماء، والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان منكم: أي من الأحرار، ومعنى (ثلاث مرات) ثلاثة أوقات في اليوم والليلة، وعبر بالمرات عن الأوقات لأن أصل وجوب الاستئذان هو بسبب مقارنة تلك الأوقات لمرور المستأذنين بالمخاطبين لا نفس الأوقات، وانتصاب ثلاث مرات على الظرفية الزمانية: أي ثلاثة أوقات، ثم فسر تلك الأوقات بقوله (من قبل صلاة الفجر) الخ، أو منصوب على المصدرية: أي ثلاث استئذانات، ورجح هذا أبو حيان فقال: والظاهر من قوله (ثلاث مرات) ثلاث استئذانات، لأنك إذا قلت ضربتك ثلاث مرات لا يفهمه منه إلا ثلاث ضربات. ويرد بأن الظاهر هنا متروك للقرينة المذكورة، وهو التفسير بالثلاثة الأوقات. قرأ الحسن وأبو عمرو في رواية الحلم بسكون اللام وقرأ الباقون بضمها. قال الأخفش: الحلم من حلم الرجل بفتح اللام، ومن الحلم حلم بضم اللام يحلم بكسر اللام،
(٥٠)