من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين. قال الهروي: ويقال معنى عجب ربكم: أي رضي ربكم وأثاب، فسماه عجبا، وليس بعجب في الحقيقة، فيكون معنى عجبت هنا عظم فعلهم عندي. وحكى النقاش أن معنى بل عجبت: بل أنكرت. قال الحسن بن الفضل: التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه، وهو لغة العرب، وقيل معناه: أنه بلغ في كمال قدرته وكثرة مخلوقاته إلى حيث عجب منها، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها، والواو في " ويسخرون " للحال: أي بل عجبت والحال أنهم يسخرون، ويجوز أن تكون للاستئناف (وإذا ذكروا لا يذكرون) أي وإذا وعظوا بموعظة من مواعظ الله أو مواعظ رسوله لا يذكرون: أي لا يتعظون بها ولا ينتفعون بما فيها. قال سعيد بن المسيب: أي إذا ذكر لهم ماحل بالمكذبين ممن كان قبلهم أعرضوا عنه ولم يتدبروا (وإذا رأوا آية) أي معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يستسخرون) أي يبالغون في السخرية.
قال قتادة: يسخرون ويقولون إنها سخرية، يقال سخر واستسخر بمعنى، مثل قر واستقر، وعجب واستعجب.
والأول أولى، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقيل معنى يستسخرون: يستدعون السخري من غيرهم.
وقال مجاهد: يستهزئون (وقالوا إن هذا إلا سحر مبين) أي ما هذا الذي تأتينا به إلا سحر واضح ظاهر (أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما) الاستفهام للإنكار: أي أنبعث إذا متنا؟ فالعامل في إذا هو ما دل عليه (أإنا لمبعوثون) وهو أنبعث، لا نفس مبعوثون لتوسط ما يمنع من عمله فيه، وهذا الإنكار للبعث منهم هو السبب الذي لأجله كذبوا الرسل وما نزل عليهم واستهزأوا بما جاءوا به من المعجزات، وقد تقدم تفسير معنى هذه الآية في مواضع (أو آباؤنا الأولون) هو مبتدأ وخبره محذوف: أي أو آباؤنا الأولون مبعوثون، وقيل معطوف على محل إن واسمها، وقيل على الضمير في مبعوثون لوقوع الفصل بينهما والهمزة للإنكار داخلة على حرف العطف، ولهذا قرأ الجمهور بفتح الواو، وقرأ ابن عامر وقالون بسكونها على أن أو هي العاطفة، وليست الهمزة للاستفهام. ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عنهم تبكيتا لهم، فقال (قل نعم وأنتم داخرون) أي نعم تبعثون وأنتم صاغرون ذليلون. قال الواحدي: والدخور أشد الصغار، وجملة وأنتم داخرون في محل نصب على الحال. ثم ذكر سبحانه أن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال (فإنما هي زجرة واحدة) الضمير للقصة أو البعثة المفهومة مما قبلها: أي إنما قصة البعث أو البعثة زجرة واحدة: أي صيحة واحدة من إسرافيل بنفخه في الصور عند البعث (فإذا هم ينظرون) أي يبصرون ما يفعل الله بهم من العذاب. وقال الحسن: هي النفخة الثانية، وسميت الصيحة زجرة، لأن المقصود منها الزجر، وقيل معنى ينظرون ينتظرون ما يفعل بهم، والأول أولى.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه من طرق عن ابن مسعود (والصافات صفا) قال: الملائكة (فالزاجرات زجرا) قال: الملائكة (فالتاليات ذكرا) قال: الملائكة. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة مثله. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أنه كان يقرأ (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) مخففة، وقال: إنهم كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون. وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله (عذاب واصب) قال: دائم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عنه أيضا إذا رمى الشهاب لم يخط من رمى به وتلا (فأتبعه شهاب ثاقب). وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (فأتبعه شهاب ثاقب) قال: لا يقتلون بالشهاب ولا يموتون، ولكنها تحرق وتخبل وتجرح في غير قتل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (من طين لازب) قال: ملتصق. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر