والالتفات المؤذن بالمبالغة (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) قرأ الجمهور " يبلس " على البناء للفاعل. وقرأ السلمي على البناء للمفعول، يقال أبلس الرجل: إذا سكت وانقطعت حجته. قال الفراء والزجاج: المبلس الساكت المنقطع في حجته الذي أيس أن يهتدى إليها، ومنه يقول العجاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم أعرفه وأبلسا وقال الكلبي: أي يئس المشركون من كل خير حين عاينوا العذاب، وقد قدمنا تفسير الإبلاس عند قول - فإذا هم مبلسون - (ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء) أي لم يكن للمشركين يوم تقوم الساعة من شركائهم الذين عبدوهم من دون الله شفعاء يجيرونهم من عذاب الله (وكانوا) في ذلك الوقت (بشركائهم) أي بآلهتهم الذين جعلوهم شركاء لله (كافرين) أي جاحدين لكونهم آلهة لأنهم علموا إذ ذاك أنهم لا ينفعون ولا يضرون، وقيل إن معنى الآية: كانوا في الدنيا كافرين بسبب عبادتهم، والأول أولى (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) أي يتفرق جميع الخلق المدلول عليهم بقوله (الله يبدأ الخلق) والمراد بالتفرق أن كل طائفة تنفرد، فالمؤمنون يصيرون إلى الجنة، والكافرون إلى النار، وليس المراد تفرق كل فرد منهم عن الآخر، ومثله قوله تعالى - فريق في الجنة وفريق في السعير - وذلك بعد تمام الحساب فلا يجتمعون أبدا. ثم بين سبحانه كيفية تفرقهم فقال (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) قال النحاس: سمعت الزجاج يقول معنى " أما " دع ما كنا فيه وخذ في غيره، وكذا قال سيبويه: إن معناها: مهما يكن من شئ فخذ في غير ما كنا فيه، والروضة كل أرض ذات نبات.
قال المفسرون: والمراد بها هنا الجنة، ومعنى يحبرون يسرون، والحبور والحبرة السرور: أي فهم في رياض الجنة ينعمون. قال أبو عبيد: الروضة ما كان في سفل، فإذا كان مرتفعا فهو ترعه. وقال غيره: أحسن ما تكون الروضة إذا كانت في مكان مرتفع، ومنه قول الأعشى:
ما روضة من رياض الحزن معشبة * خضراء جاد عليها مسبل هطل وقيل معنى " يحبرون " يكرمون. قال النحاس: حكى الكسائي حبرته: أي أكرمته ونعمته، والأولى تفسير يحبرون بالسرور كما هو المعنى العربي، ونفس دخول الجنة يستلزم الإكرام والنعيم، وفي السرور زيادة على ذلك. وقيل التحبير التحسين فمعنى يحبرون يحسن إليهم، وقيل هو السماع الذي يسمعونه في الجنة، وقيل غير ذلك، والوجه ما ذكرناه (وأما الذين كفروا) بالله (وكذبوا بآياتنا) وكذبوا ب (لقاء الآخرة) أي البعث والجنة والنار، والإشارة بقوله (فأولئك) إلى المتصفين بهذه الصفات، وهو مبتدأ وخبره (في العذاب محضرون) أي مقيمون فيه، وقيل مجموعون، وقيل نازلون، وقيل معذبون، والمعاني متقاربة، والمراد دوام عذابهم. ثم لما بين عاقبة طائفة المؤمنين وطائفة الكافرين أرشد المؤمنين إلى ما فيه الأجر الوافر والخير العام فقال (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي فإذا علمتم ذلك فسبحوا الله: أي نزهوه عما لا يليق به في وقت الصباح والمساء وفي العشي وفي وقت الظهيرة. وقيل المراد بالتسبيح هنا الصلوات الخمس، فقوله " حين تمسون " صلاة المغرب والعشاء، وقوله " وحين تصبحون " صلاة الفجر، وقوله " وعشيا " صلاة العصر، وقوله " وحين تظهرون " صلاة الظهر، كذا قال الضحاك وسعيد بن جبير وغيرهما. قال الواحدي: قال المفسرون: إن معنى " فسبحان الله " فصلوا لله. قال النحاس: أهل التفسير على أن هذه الآية في الصلوات قال:
وسمعت محمد بن يزيد يقول: حقيقته عندي فسبحوا الله في الصلوات، لأن التسبيح يكون في الصلاة، وجملة (وله الحمد في السماوات والأرض) معترضة مسوقة للإرشاد إلى الحمد والإيذان بمشروعية الجمع بينه وبين