أبناءهم ويترك النساء، لأن المنجمين في ذلك العصر أخبروه أنه يذهب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل. قال الزجاج: والعجب من حمق فرعون، فإن الكاهن الذي أخبره بذلك إن كان صادقا عنده فما ينفع القتل، وإن كان كاذبا فلا معنى للقتل (إنه كان من المفسدين) في الأرض بالمعاصي والتجبر، وفيه بيان أن القتل من فعل أهل الإفساد (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) جاء بصيغة المضارع لحكاية الحالة الماضية. واستحضار صورتها: أي نريد أن نتفضل عليهم بعد استضعافهم، والمراد بهؤلاء بنو إسرائيل، والواو في " ونريد " للعطف على جملة " إن فرعون علا " وإن كانت الجملة المعطوف عليها اسمية، لأن بينهما تناسبا من حيث إن كل واحدة منهما للتفسير والبيان، ويجوز أن تكون حالا من فاعل يستضعف بتقدير مبتدأ: أي ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض كما في قول الشاعر: * نجوت وأرهنهم ملكا * والأول أولى (ونجعلهم أئمة) أي قادة في الخير ودعاة إليه، وولاة على الناس وملوكا فيهم (ونجعلهم الوارثين) لملك فرعون ومساكن القبط وأملاكهم، فيكون ملك فرعون فيهم ويسكنون في مساكنه ومساكن قومه، وينتفعون بأملاكه وأملاكهم (ونمكن لهم في الأرض) أي نجعلهم مقتدرين عليها وعلى أهلها مسلطين على ذلك يتصرفون به كيف شاءوا.
قرأ الجمهور " نمكن " بدون لام، وقرأ الأعمش " لنمكن " بلام العلة (ونرى فرعون وهامان وجنودهما) قرأ الجمهور نرى بنون مضمومة وكسر الراء على أن الفاعل هو الله سبحانه. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف (ويرى) " بفتح الياء التحتية والراء، والفاعل فرعون، والقراءة الأولى ألصق بالسياق لأن قبلها نريد ونجعل ونمكن بالنون. وأجاز الفراء " ويرى فرعون " بضم الياء التحتية وكسر الراء: أي ويرى الله فرعون، ومعنى (منهم) من أولئك المستضعفين (ما كانوا يحذرون) الموصول هو المفعول الثاني على القراءة الأولى، والمفعول الأول على القراءة الثانية، والمعنى: أن الله يريهم، أو يرون هم الذي كانوا يحذرون منه ويجتهدون في دفعه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد المولود من بني إسرائيل المستضعفين (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس ذلك هو الوحي الذي يوحى إلى الرسل، وقيل: كان ذلك رؤيا في منامها، وقيل: كان ذلك بملك أرسله الله يعلمها بذلك.
وقد أجمع العلماء على أنها لم تكن نبية، وإنما كان إرسال الملك إليها عند من قال به على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى كما في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما، وقد سلمت على عمران بن حصين الملائكة كما في الحديث الثابت في الصحيح فلم يكن بذلك نبيا، وأن في " أن ارضعيه " هي المفسرة، لأن في الوحي معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية: أي بأن أرضعيه، وقرأ عمر بن عبد العزيز بكسر نون أن، ووصل همزة أرضعيه فالكسر لالتقاء الساكنين، وحذف همزة الوصل على غير القياس (فإذا خفت عليه) من فرعون بأن يبلغ خبره إليه (فألقيه في اليم) وهو بحر النيل، وقد تقدم بيان الكيفية التي ألقته في اليم عليها في سورة طه (ولا تخافي ولا تحزني) أي لا تخافي عليه الغرق أو الضيعة، ولا تحزني لفراقه (إنا رادوه إليك) عن قريب على وجه تكون به نجاته (وجاعلوه من المرسلين) الذين نرسلهم إلى العباد، والفاء في قوله (فالتقطه آل فرعون) هي الفصيحة، والالتقاط: إصابة الشئ من غير طلب، والمراد بآل فرعون هم الذين أخذوا التابوت الذي فيه موسى من البحر، وفي الكلام حذف، والتقدير فألقته في اليم بعد ما جعلته في التابوت فالتقطه من وجده من آل فرعون، واللام في (ليكون لهم عدوا وحزنا) لام العاقبة، ووجه ذلك أنهم إنما أخذوه ليكون لهم ولدا وقرة عين