خبره: أي أقصص عليهم يا محمد خبر إبراهيم وحديثه، و (إذ قال) منصوب بنبأ إبراهيم: أي وقت قوله (لأبيه وقومه ما تعبدون) وقيل إذا بدل من نبأ بدل اشتمال، فيكون العامل فيه أتل، والأول أولى. ومعنى ما تعبدون:
أي شئ تعبدون؟ وهو يعلم أنهم يعبدون الأصنام، ولكنه أراد إلزامهم الحجة (قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين) أي فتقيم على عبادتها مستمرا لا في وقت معين، يقال ظل يفعل كذا: إذا فعله نهارا، وبات يفعل كذا إذا فعله ليلا، فظاهره أنهم يستمرون على عبادتها نهارا لا ليلا، والمراد من العكوف لها الإقامة على عبادتها، وإنما قال لها لإفادة أن ذلك العكوف لأجلها، فلما قالوا هذه المقالة قال إبراهيم منبها على فساد مذهبهم (هل يسمعونكم إذ تدعون) قال الأخفش: فيه حذف، والمعنى: هل يسمعون منكم، أو هل يسمعون دعاءكم.
وقرأ قتادة " هل يسمعونكم " بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وقت دعائكم لهم (أو ينفعونكم) بوجه من وجوه النفع (أو يضرون) أي يضرونكم إذا تركتم عبادتهم، وهذا الاستفهام للتقرير، فإنها إذا كانت لا تسمع ولا تنفع ولا تضر فلا وجه لعبادتها، فإذا قالوا نعم هي كذلك أقروا بأن عبادتهم لها من باب اللعب والعبث، وعند ذلك تقوم الحجة عليهم، فلما أورد عليهم الخليل هذه الحجة الباهرة لم يجدوا لها جوابا إلا رجوعهم إلى التقليد البحت وهو أنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون أي يفعلون لهذه العبادة لهذه الأصنام مع كونها بهذه الصفة التي هي سلب السمع والنفع والضر عنها، وهذا الجواب هو العصى التي يتوكأ عليها كل عاجز، ويمشي بها كل أعرج ويغتر بها كل مغرور، وينخدع لها كل مخدوع، فإنك لو سألت الآن هذه المقلدة للرجال التي طبقت الأرض بطولها والعرض، وقلت لهم: ما الحجة لهم على تقليد فرد من أفراد العلماء والأخذ بكل ما يقوله في الدين ويبتدعه من الرأي المخالف للدليل لم يجدوا غير هذا الجواب ولا فاهوا بسواه، وأخذوا يعددون عليك من سبقهم إلى تقليد هذا من سلفهم واقتداء بأقواله وأفعاله وهم قد ملئوا صدورهم هيبة، وضاقت أذهانهم عن تصورهم، وظنوا أنهم خير أهل الأرض وأعلمهم وأورعهم، فلم يسمعوا لناصح نصحا ولا لداع إلى الحق دعاء، ولو فظنوا لوجدوا أنفسهم في غرور عظيم وجهل شنيع وإنهم كالبهيمة العمياء، وأولئك الأسلاف كالعمى الذين يقودون البهائم العمى، كمال قال الشاعر:
كبهيمة عمياء قاد زمامها * أعمى على عوج الطريق الحائر فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف أن تورد عليهم حجج الله، وتقيم عليهم براهينه، فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد في قلبه، وأما من قد استحكم في قلبه هذا الداء، فلو أوردت عليه كل حجة وأقمت عليه كل برهان لما أعارك إلا أذنا صماء وعينا عمياء، ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن، والهداية بيد الخلاق العليم - إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء - ولما قال هؤلاء المقلدة هذه المقالة (قال) الخليل (أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون) أي فهل أبصرتم وتفكرتم ما كنتم تعبدون من هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع حتى تعلموا أنكم على ضلالة وجهالة، ثم أخبرهم بالبراءة من هذه الأصنام التي يعبدونها. فقال (فإنهم عدو لي) ومعنى كونهم عدوا له مع كونهم جمادا أنه إن عبدهم كانوا له عدوا يوم القيامة. قال الفراء: هذا من المقلوب: أي فإني عدو لهم لأن من عاديته عاداك، والعدو كالصديق يطلق على الواحد والمثنى والجماعة والمذكر والمؤنث، كذا قال الفراء. قال علي بن سليمان:
من قال عدوة الله فأثبت الهاء، قال هي بمعنى المعادية، ومن قال عدو للمؤنث والجمع جعله بمعنى النسب. وقيل