وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الأسيال من رومة بئر بالمدينة، قائدها أبو سفيان، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بنقمي إلى جانب أحد، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر، فضرب الخندق على المدينة وعمل فيه المسلمون، وأبطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لابد منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستأذنه في اللحوق لحاجته فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله) الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير في الآية قال: هي في الجهاد والجمعة والعيدين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله (على أمر جامع) قال: من طاعة الله عام. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عنه في قوله (لا تجعلوا دعاء الرسول) الآية قال: يعنى كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه. ولكن وقروه وقولوا له: يا رسول الله يا نبي الله. وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في الدلائل عنه أيضا في الآية قال: لا تصيحوا به من بعيد يا أبا القاسم، ولكن كما قال الله في الحجرات - إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله -. وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل، قال: كان لا يخرج أحد لرعاف أو أحداث حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام، فيأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليه بيده، وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج. فأنزل الله (الذين يتسللون منكم لواذا) الآية. وأخرج أبو عبيد في فضائله والطبراني، قال السيوطي بسند حسن عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقرأ هذه الآية في خاتمة سورة النور وهو جاعل أصبعيه تحت عينيه يقول: بكل شئ بصير.
تفسير سورة الفرقان هي سبع وسبعون آية وهي مكية كلها في قول الجمهور، وكذا أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه من طرق عن ابن عباس. وأخرجه ابن مردويه عن ابن الزبير. قال القرطبي: وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة، وهي - والذين لا يدعون مع الله إلها آخر - الآيات. وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال:
أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرسله، أقرئنا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذلك أنزلت، ثم قال: أقرئنا عمر، فقرأت القراءة