ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بتوحيده، فقال (بل الله فاعبد) وفي هذا رد على المشركين حيث أمروه بعبادة الأصنام، ووجه الرد ما يفيده التقديم من القصر. قال الزجاج: لفظ اسم الله منصوب بأعبد قال: ولا اختلاف في هذا بين البصريين والكوفيين. وقال الفراء: هو منصوب بإضمار فعل، وروي مثله عن الكسائي، والأول أولى. قال الزجاج: والفاء في فاعبد للمجازاة. وقال الأخفش: زائدة. قال عطاء ومقاتل:
معنى فاعبد وحد، لأن عبادته لا تصح إلا بتوحيده (وكن من الشاكرين) لإنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد والدعاء إلى دينه واختصك به من الرسالة (وما قدروا الله حق قدره) قال المبرد: أي ما عظموه حق عظمته، من قولك فلان عظيم القدر، وإنما وصفهم بهذا لأنهم عبدوا غير الله وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم في الشرك.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر قدروا بالتشديد (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك، فأخبر سبحانه عن عظيم قدرته بأن الأرض كلها مع عظمها وكثافتها في مقدوره كالشئ الذي يقبض عليه القابض بكفه كما يقولون: هو في يد فلان وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه، وكذا قوله (والسماوات مطويات بيمينه) فإن ذكر اليمين للمبالغة في كمال القدرة كما يطوي الواحد منا الشئ المقدور له طيه بيمينه، واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى القدرة والملك. قال الأخفش:
بيمينه يقول في قدرته، نحو قوله - أو ما ملكت أيمانكم - أي ما كانت لكم قدرة عليه، وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر الجسد، ومنه قوله سبحانه - لأخذنا منه باليمين - أي بالقوة والقدرة، ومنه قول الشاعر:
إذا ما راية نصبت لمجد * تلقاها عرابة باليمين وقول الآخر: ولما رأيت الشمس أشرق نورها * تناولت منها حاجتي بيمين وقول الآخر: عطست بأنف شامخ وتناولت * يداي الثريا قاعدا غير قائم وجملة (والأرض جميعا قبضته) في محل نصب على الحال: أي ما عظموه حق تعظيمه، والحال أنه متصف بهذه الصفة الدالة على كمال القدرة. قرأ الجمهور برفع " قبضته " على أنها خبر المبتدأ، وقرأ الحسن بنصبها، ووجهه ابن خالويه بأنه على الظرفية: أي في قبضته. وقرأ الجمهور " مطويات " بالرفع على أنها خبر المبتدأ، والجملة في محل نصب على الحال كالتي قبلها، وبيمينه متعلق بمطويات، أو حال من الضمير في مطويات أو خبر ثان، وقرأ عيسى والجحدري بنصب " مطويات " ووجه ذلك أن السماوات معطوفة على الأرض، وتكون قبضته خبرا عن الأرض والسماوات، وتكون مطويات حالا، أو تكون مطويات منصوبة بفعل مقدر، وبيمينه الخبر، وخص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته شاملة، لأن الدعاوي تنقطع فيه كما قال سبحانه - الملك يومئذ لله - وقال - مالك يوم الدين - ثم نزه سبحانه نفسه فقال (سبحانه وتعالى عما يشركون) به من المعبودات التي يجعلونها شركاء له مع هذه القدرة العظيمة والحكمة الباهرة (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض) هذه هي النفخة الأولى، والصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدم غير مرة، ومعنى صعق: زالت عقولهم فخروا مغشيا عليهم، وقيل ماتوا. قال الواحدي: قال المفسرون: مات من الفزع وشدة الصوت أهل السماوات والأرض. قرأ الجمهور " الصور " بسكون الواو، وقرأ قتادة وزيد بن علي بفتحها جمع صورة، والاستثناء في قوله (إلا من شاء الله) متصل، والمستثنى جبريل وميكائيل وإسرافيل، وقيل رضوان وحملة العرش وخزنة الجنة والنار (ثم نفخ فيه أخرى) يجوز أن يكون أخرى في محل رفع على النيابة وهي صفة لمصدر محذوف: أي نفخة أخرى، ويجوز أن يكون في محل نصب والقائم مقام الفاعل فيه (فإذا هم قيام ينظرون) يعنى الخلق كلهم قيام على أرجلهم