يأكلوا مع الأعمى يقولون إنه لا يبصر موضع الطعام، وكانوا يتحرجون الأكل مع الأعرج يقولون الصحيح يسبقه إلى المكان ولا يستطيع إلى أن يزاحم، ويتحرجون الأكل مع المريض يقولون لا يستطيع أن يأكل مثل الصحيح، وكانوا يتحرجون أن يأكلوا في بيوت أقاربهم، فنزلت (ليس على الأعمى) يعني في الأكل مع الأعمى. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقسم نحوه. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال: كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه أو بيت عمه أو بيت عمته أو بيت خاله أو بيت خالته، فكان الزمني يتحرجون من ذلك يقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم. وأخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن النجار عن عائشة قالت: كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيدفعون مفاتيحهم إلى أمنائهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم إليه، فكانوا يقولون إنه لا يحل لنا أن نأكل إنهم أذنوا لنا من غير طيب نفس، وإنما نحن زمني، فأنزل الله - ولا على أنفسكم أن تأكلوا - إلى قوله أو ما ملكتم مفاتحه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت - يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل - قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله (ليس على الأعمى حرج) إلى قوله (أو ما ملكتم مفاتحه) وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته، والذي رخص الله أن يأكل من ذلك الطعام والتمر ويشرب اللبن، وكانوا أيضا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره، فرخص الله لهم فقال (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض ولا أعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، فنزلت رخصة في مؤاكلتهم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في مراسيله وابن جرير والبيهقي عن الزهري أنه سئل عن قوله (ليس على الأعمى حرج)) ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هنا؟ فقال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم يقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، وكانوا يتحرجون من ذلك يقولون لا ندخلها وهم غيب، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان هذا الحي من بني كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أن عليه مخزاة أن يأكل وحده في الجاهلية، حتى إن كان الرجل يسوق الزود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل الله (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأبى صالح قالا: كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتى يأكل الضيف معهم، فنزلت رخصة لهم. وأخرج الثعلبي عن ابن عباس في الآية، قال خرج الحارث غازيا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلف على أهله خالد بن يزيد، فحرج أن يأكل من طعامه، وكان مجهودا فنزلت. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (أو صديقكم) قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته، ثم أكلت من طعامه بغير إذنه لم يكن بذلك بأس. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله (أو صديقكم) قال: هذا شئ قد انقطع، إنما كان هذا في أوله ولم يكن لهم أبواب، وكانت الستور مرخاة، فربما دخل الرجل البيت وليس فيه أحد، فربما وجد الطعام وهو جائع فسوغه الله أن يأكله. وقال: ذهب ذلك اليوم البيوت فيها أهلها، فإذا خرجوا أغلقوا فقد ذهب ذلك.
(٥٦)