وقيل الكتاب ها هنا اسم عين للكتاب الذي يكتب فيه الشئ، وذلك لأنهم كانوا إذا كاتبوا العبد كتبوا عليه وعلى أنفسهم بذلك كتابا، فيكون المعنى الذين يطلبون كتاب المكاتبة. ومعنى المكاتبة في الشرع: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجما، فإذا أداه فهو حر، وظاهر قوله (فكاتبوهم) أن العبد إذا طلب الكتابة من سيده وجب عليه أن يكاتبه بالشرط المذكور بعده، وهو (إن علمتم فيهم خيرا) والخير هو القدرة على أداء ما كوتب عليه وإن لم يكن له مال، وقيل هو المال فقط، كما ذهب إليه مجاهد والحسن وعطاء والضحاك وطاوس ومقاتل. وذهب إلى الأول ابن عمر وابن زيد، واختاره مالك، والشافعي والفراء والزجاج. قال الفراء: يقول إن رجوتم عندهم وفاء وتأدية للمال. وقال الزجاج: لما قال " فيهم " كان الأظهر الاكتساب، والوفاء وأداء الأمانة. وقال النخعي: إن الخير الدين والأمانة. وروى مثل هذا عن الحسن. وقال عبيدة السلماني: إقامة الصلاة. قال الطحاوي: وقول من قال إنه المال لا يصح عندنا، لأن العبد مال لمولاه فكيف يكون له مال؟
قال: والمعنى عندنا إن علمتم فيهم الدين والصدق. قال أبو عمر بن عبد البر: من لم يقل إن الخير هنا المال أنكر أن يقال: إن علمتم فيهم مالا، وإنما يقال علمت فيه الخير والصلاح والأمانة، ولا يقال علمت فيه المال. هذا حاصل ما وقع من الاختلاف بين أهل العلم في الخبر المذكور في هذه الآية. وإذا تقرر لك هذا، فاعلم أنه قد ذهب ظاهر ما يقتضيه الأمر المذكور في الآية من الوجوب عكرمة وعطاء ومسروق وعمرو بن دينار والضحاك: وأهل الظاهر، فقالوا: يجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا طلب منه ذلك وعلم فيه خيرا. وقال الجمهور من أهل العلم: لا يجب ذلك، وتمسكوا بالإجماع على أنه لو سأل العبد سيده أن يبيعه من غيره لم يجب عليه ذلك ولم يجبر عليه، فكذا الكتابة لأنها معاوضة.
ولا يخفاك أن هذه حجة واهية وشبهة داحضة، والحق ما قاله الأولون، وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس واختاره ابن جرير. ثم أمر سبحانه الموالي بالإحسان إلى المكاتبين، فقال (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ففي هذه الآية الأمر للمالكين بإعانة المكاتبين على مال الكتابة، إما بأن يعطوهم شيئا من المال أو بأن يحطوا عنهم مما كوتبوا عليه، وظاهر الآية عدم تقدير ذلك بمقدار، وقيل الثلث، وقيل الربع، وقيل العشر، ولعل وجه تخصيص الموالي بهذا الأمر هو كون الكلام فيهم، وسياق الكلام معهم فإنهم المأمورون بالكتابة. وقال الحسن والنخعي وبريدة: إن الخطاب بقوله: وآتوهم لجميع الناس. وقال زيد بن أسلم: إن الخطاب للولاة بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم كما في قوله سبحانه - وفي الرقاب -، وللمكاتب أحكام معروفة إذا وفى ببعض مال الكتابة. ثم إنه سبحانه لما أرشد الموالي إلى نكاح الصالحين من المماليك، نهى المسلمين عما كان يفعله أهل الجاهلية من إكراه إمائهم على الزنا فقال (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) والمراد بالفتيات هنا الإماء وإن كان الفتى والفتاة قد يطلقان على الأحرار في مواضع أخر. والبغاء: الزنا، مصدر بغت المرأة تبغى بغاء إذا زنت، وهذا مختص بزنا النساء، فلا يقال للرجل إذا زنا إنه بغي، وشرط الله سبحانه هذا النهي بقوله (إن أردن تحصنا) لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادتهم للتحصن، فإن من لم ترد التحصن لا يصح أن يقال لها مكرهة على الزنا، والمراد بالتحصن هنا: التعفف والتزوج. وقيل إن هذا القيد راجع إلى الأيامى. قال الزجاج والحسن بن الفضل: في الكلام تقديم وتأخير: أي وأنكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم وإمائكم أن أردن تحصنا. وقيل هذا الشرط ملغى.
وقيل إن هذا الشرط باعتبار ما كانوا عليه، فإنهم كانوا يكرهونهن وهن يردن التعفف، وليس لتخصص النهي