أي يتعظون بإنذارك (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم) لولا هذه هي الامتناعية وأن وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء وجوابها محذوف. قال الزجاج: وتقديره ما أرسلنا إليهم رسلا: يعني أن الحامل على إرسال الرسل هو إزاحة عللهم، فهو كقوله سبحانه - لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل - وقدره ابن عطيه لعاجلناهم بالعقوبة، ووافقه على هذا التقدير الواحدي فقال: والمعنى لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم، وقوله (فيقولوا) عطف على تصيبهم ومن جملة ما هو في حيز لولا: أي فيقولوا (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) ولولا هذه الثانية هي التحضيضية: أي هلا أرسلت إلينا رسولا من عندك، وجوابها هو (فنتبع آياتك) وهو منصوب بإضمار أن لكونه جوابا للتحضيض والمراد بالآيات الآيات التنزيلية الظاهرة الواضحة، وإنما عطف القول على تصيبهم لكونه هو السبب للإرسال ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول، وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها هي السبب لإرسال الرسل بواسطة القول (ونكون من المؤمنين) بهذه الآيات، ومعنى الآية: أنا لو عذبناهم لقالوا طال العهد بالرسل ولم يرسل الله إلينا رسولا، ويظنون أن ذلك عذر لهم ولا عذر لهم بعد أن بلغتهم أخبار الرسل، ولكنا أكملنا الحجة وأزحنا العلة وأتممنا البيان بإرسالك يا محمد إليهم (فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى) أي فلما جاء أهل مكة الحق من عند الله وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما أنزل عليه من القرآن قالوا تعنتا منهم وجدالا بالباطل: هلا أوتي هذا الرسول مثل ما أوتي موسى من الآيات التي من جملتها التوراة المنزلة عليه جملة واحدة، فأجاب الله عليهم بقوله (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) أي من قبل هذا القول، أو من قبل ظهور محمد، والمعنى: أنهم قد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد، وجملة (قالوا ساحران تظاهرا) مستأنفة مسوقة لتقرير كفرهم وعنادهم، والمراد بقولهم " ساحران " موسى ومحمد، والتظاهر التعاون: أي تعاونا على السحر، والضمير في قوله " أو لم يكفروا " لكفار قريش، وقيل هو لليهود. والأول أولى، فإن اليهود لا يصفون موسى بالسحر إنما يصفه بذلك كفار قريش وأمثالهم إلا أن يراد من أنكر نبوة موسى كفرعون وقومه، فإنهم وصفوا موسى وهارون بالسحر، ولكنهم ليسوا من اليهود. ويمكن أن يكون الضمير لمن كفر بموسى ومن كفر بمحمد، فإن الذين كفروا بموسى وصفوه بالسحر، والذين كفروا بمحمد وصفوه أيضا بالسحر. وقيل المعنى: أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبله بالبشارة بعيسى ومحمد. قرأ الجمهور " ساحران " وقرأ الكوفيون " سحران " يعنون التوراة والقرآن، وقيل الإنجيل والقرآن. قال بالأول الفراء. وقال بالثاني أبو زيد. وقيل إن الضمير في " أو لم يكفروا " لليهود، وأنهم عنوا بقولهم " ساحران " عيسى ومحمدا (وقالوا إنا بكل كافرون) أي بكل من موسى ومحمد، أو من موسى وهارون، أو من موسى وعيسى على اختلاف الأقوال، وهذا على قراءة الجمهور، وأما على القراءة الثانية فالمراد التوراة والقرآن أو الإنجيل والقرآن. وفي هذه الجملة تقرير لما تقدمها من وصف النبيين بالسحر، أو من وصف الكتابين به وتأكيد لذلك. ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يقول لهم قولا يظهر به عجزهم فقال (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه) أي قل لهم يا محمد فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقرآن، وأتبعه جواب الأمر، وقد جزمه جمهور القراء لذلك. وقرأ زيد بن علي برفع أتبعه على الاستئناف: أي فأنا أتبعه.
قال الفراء: إنه على هذه القراءة صفة للكتاب، وفي هذا الكلام تهكم به. وفيه أيضا دليل على أن قراءة الكوفيين أقوى من قراءة الجمهور لأنه رجع الكلام إلى الكتابين لا إلى الرسولين، ومعنى (إن كنتم صادقين) إن كنتم فيما وصفتم به الرسولين أو الكتابين صادقين (فإن لم يستجيبوا لك) أي لم يفعلوا ما كلفتم به من الإتيان بكتاب هو