في قوله (ويوم يناديهم) بالعطف على يوم القيامة أو بإضمار أذكر: أي يوم ينادي الله سبحانه هؤلاء المشركين (فيقول) لهم (أين شركائي الذين كنتم تزعمون) أنهم ينصرونكم ويشفعون لكم، ومفعولا يزعمون محذوفان: أي تزعمونهم شركائي لدلالة الكلام عليهما (قال الذين حق عليهم القول) أي حقت عليهم كلمة العذاب وهم رؤساء الضلال الذين اتخذوهم أربابا من دون الله، كذا قال الكلبي. وقال قتادة: هم الشياطين (ربنا هؤلاء الذين أغوينا) أي دعوناهم إلى الغواية يعنون الأتباع (أغويناهم كما غوينا) أي أضللناهم كما ضللنا (تبرأنا إليك) منهم، والمعنى: أن رؤساء الضلال أو الشياطين تبرءوا ممن أطاعهم. قال الزجاج: بريء بعضهم من بعض، وصاروا أعداء كما قال الله تعالى - الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو - وهؤلاء مبتدأ والذين أغوينا صفته، والعائد محذوف: أي أغويناهم، والخبر أغويناهم، وكما أغوينا نعت مصدر محذوف وقيل إن خبر هؤلاء هو الذين أغوينا، وأما أغويناهم كما غوينا فكلام مستأنف لتقرير ما قبله، ورجح هذا أبو علي الفارسي، واعترض الوجه الأول، ورد اعتراضه أبو البقاء (ما كانوا إيانا يعبدون) وإنما كانوا يعبدون أهواءهم، وقيل إن " ما " في ما كانوا مصدرية: أي تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا والأول أولى (وقيل ادعوا شركاءكم) أي قيل للكفار من بني آدم هذا القول، والمعنى: استغيثوا بآلهتكم التي كنتم تعبدونهم من دون الله في الدنيا لينصروكم ويدفعوا عنكم (فدعوهم) عند ذلك (فلم يستجيبوا لهم) ولا نفعوهم بوجه من وجوه النفع (ورأوا العذاب) أي التابع والمتبوع قد غشيهم (لو أنهم كانوا يهتدون) قال الزجاج: جواب لو محذوف، والمعنى: لو أنهم كانوا يهتدون لأنجاهم ذلك ولم يروا العذاب. وقيل المعنى: لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم، وقيل المعنى: لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا لعلموا أن العذاب حق. وقيل المعنى: لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب. وقيل قد آن لهم أن يهتدوا لو كانوا يهتدون، وقيل غير ذلك. والأول أولى، ويوم في قوله (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) معطوف على ما قبله: أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي (فعميت عليهم الأنباء يومئذ) أي خفيت عليهم الحجج حتى صاروا كالعمى الذين لا يهتدون، والأصل فعموا عن الأنباء، ولكنه عكس الكلام للمبالغة، والأنباء الأخبار، وإنما سمى حججهم أخبارا لأنها لم تكن من الحجة في شئ، وإنما هي أقاصيص وحكايات (فهم لا يتساءلون) لا يسأل بعضهم بعضا، ولا ينطقون بحجة ولا يدرون بما يجيبون، لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة. قرأ الجمهور " عميت " بفتح العين وتخفيف الميم. وقرأ الأعمش وجناح بن حبيش بضم العين وتشديد الميم (فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين) أن تاب من الشرك وصدق بما جاء به الرسل وأدى الفرائض واجتنب المعاصي فعسى أن يكون من المفلحين: أي الفائزين بمطالبهم من سعادة الدارين، وعسى وإن كانت في الأصل للرجاء فهو من الله واجب على ما هو عادة الكرام. وقيل إن الترجي هو من التائب المذكور لا من جهة الله سبحانه (وربك يخلق ما يشاء) أي يخلقه (ويختار) ما يشاء أن يختاره - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم: أي الاختيار إلى الله (ما كان لهم الخيرة) أي التخير، وقيل المراد من الآية أنه ليس لأحد من خلق الله أن يختار، بل الاختيار هو إلى الله عز وجل. وقيل إن هذه الآية جواب عن قولهم - لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم - وقيل هذه الآية جواب عن اليهود حيث قالوا لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به.
قال الزجاج: الوقف على " ويختار " تام على أن ما نافية. قال: ويجوز أن تكون " ما " في موضع نصب