العذاب رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعناد، وقيل المعنى: إنكم عائدون إلينا بالبعث والنشور، والأول أولى (يوم نبطش البطشة الكبرى) الظرف منصوب باضمار أذكر، وقيل هو بدل من يوم تأتي السماء، وقيل هو متعلق بمنتقمون، وقيل بما دل عليه منتقمون وهو ننتقم. والبطشة الكبرى: هي يوم بدر، قاله الأكثر. والمعنى:
أنهم لما عادوا إلى التكذيب والكفر بعد رفع العذاب عنهم انتقم الله منهم بوقعة بدر. وقال الحسن وعكرمة:
المراد بها عذاب النار، واختار هذا الزجاج، والأول أولى. قرأ الجمهور " نبطش " بفتح النون وكسر الطاء:
أي نبطش بهم، وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهي لغة، وقرأ أبو رجاء وطلحة بضم النون وكسر الطاء.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس (في ليلة مباركة) قال: أنزل القرآن في ليلة القدر ونزل به جبريل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجوما لجواب الناس. وأخرج محمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق وموت، وحياة ومطر، حتى يكتب الحاج: يحج فلان، ويحج فلان. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: أمر السنة إلى السنة إلا الشقاء والسعادة، فإنه في كتاب الله لا يبدل ولا يغير. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ثم قرأ (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) الآية، يعني ليلة القدر، قال: ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل من موت أو حياة أو رزق، كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها. وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ". وأخرجه ابن أبي الدنيا وابن جرير عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس، وهذا مرسل ولا تقوم به حجة ولا تعارض بمثله صرائح القرآن. وما روي في هذا فهو إما مرسل أو غير صحيح. وقد أورد ذلك صاحب الدر المنثور، وأورد ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، وذلك لا يستلزم أنها المراد بقوله في ليلة مباركة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود أن قريشا لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبطئوا عن الإسلام قال: " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع، فأنزل الله (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) الآية، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر، فاستسقى لهم فسقوا، فأنزل الله (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل الله (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) فانتقم الله منهم يوم بدر، فقد مضى البطشة والدخان واللزام. وقد روي عن ابن مسعود نحو هذا من غير وجه، وروي نحوه عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن أبي مليكة قال:
دخلت على ابن عباس فقال: لم أنم هذه الليلة، فقلت لم؟ قال: طلع الكوكب فخشيت أن يطرق الدخان. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح، وكذا صححه السيوطي ولكن ليس فيه أنه سبب نزول الآية. وقد عرفناك أنه لا منافاة بين كون هذه الآية نازلة في الدخان الذي كان يتراءى لقريش من الجوع، وبين كون الدخان من آيات الساعة وعلاماتها وأشراطها. فقد وردت أحاديث صحاح وحسان وضاف بذلك، وليس فيها أنه سبب نزول