الأعمال بالنيات "، وحديث " لا قول ولا عمل إلا بنية "، وجملة (ألا لله الدين الخالص) مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإخلاص: أي إن الدين الخالص من شوائب الشرك وغيره هو لله، وما سواه من الأديان فليس بدين الله الخالص الذي أمر به. قال قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله (والذين اتخذوا من دونه أولياء) لما أمر سبحانه بعبادته على وجه الإخلاص وأن الدين الخالص له لا لغيره بين بطلان الشرك الذي هو مخالف للإخلاص والموصول عبارة عن المشركين، ومحله الرفع على الابتداء، وخبره قوله - إن الله يحكم بينهم -، وجملة (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) في محل نصب على الحال بتقدير القول، والاستثناء مفرغ من أعم العلل، والمعنى:
والذين لم يخلصوا العبادة لله، بل شابوها بعبادة غيره قائلين ما نعبدهم لشئ من الأشياء إلا ليقربونا إلى الله تقريبا والضمير في نعبدهم راجع إلى الأشياء التي كانوا يعبدونها من الملائكة وعيسى والأصنام، وهم المرادون بالأولياء والمراد بقولهم (إلا ليقربونا إلى الله زلفى) الشفاعة، كما حكاه الواحدي عن المفسرين. قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم من ربكم وخالقكم ومن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء؟ قالوا: الله، فيقال لهم: ما معنى عبادتكم للأصنام؟
قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى ويشفعوا لنا عنده. قال الكلبي: جواب هذا الكلام قوله في سورة الأحقاف - فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة -، والزلفى اسم أقيم مقام المصدر، كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبا. وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد " قالوا ما نعبدهم " ومعنى (إن الله يحكم بينهم) أي بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كلا بما يستحقه، وقيل بين المخلصين للدين وبين الذين لم يخلصوا، وحذف الأول لدلالة الحال عليه، ومعنى (فيما هم فيه يختلفون) في الذي اختلفوا فيه من الدين بالتوحيد والشرك، فإن كل طائفة تدعي أن الحق معها (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) أي لا يرشد لدينه ولا يوفق للاهتداء إلى الحق من هو كاذب في زعمه أن الآلهة تقربه إلى الله وكفر باتخاذها آلهة وجعلها شركاء لله، والكفار صيغة مبالغة تدل على أن كفر هؤلاء قد بلغ إلى الغاية. وقرأ الحسن والأعرج كذاب على صيغة المبالغة ككفار، ورويت هذه القراءة عن أنس (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى) هذا مقرر لما سبق من إبطال قول المشركين بأن الملائكة بنات الله لتضمنه استحالة الولد في حقه سبحانه على الإطلاق، فلو أراد أن يتخذ ولدا لامتنع اتخاذ الولد حقيقة ولم يتأت ذلك إلا بأن يصطفى (مما يخلق ما يشاء) أي يختار من جملة خلقه ما يشاء أن يصطفيه، إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له، ولا يصح أن يكون المخلوق ولدا للخالق لعدم المجانسة بينهما، فلم يبق إلا أن يصطفيه عبدا كما يفيد التعبير بالاصطفاء مكان الاتخاذ. فمعنى الآية: لو أراد أن يتخذ ولدا لوقع منه شئ ليس هو من اتخاذ الولد، بل إنما هو من الاصطفاء لبعض مخلوقاته، ولهذا نزه سبحانه نفسه عن اتخاذ الولد على الإطلاق فقال (سبحانه) أي تنزيها له عن ذلك، وجملة (هو الله الواحد القهار) مبينة لتنزهه بحسب الصفات بعد تنزهه بحسب الذات: أي هو المستجمع لصفات الكمال المتوحد في ذاته فلا مماثل له القهار لكل مخلوقاته، ومن كان متصفا بهذه الصفات استحال وجود الولد في حقه، لأن الولد مماثل لوالده ولا مماثل له سبحانه، ومثل هذه الآية قوله سبحانه - لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا -. ثم لما ذكر سبحانه كونه منزها عن الولد بكونه إلها واحدا قهارا ذكر ما يدل على ذلك من صفاته فقال (خلق السماوات والأرض بالحق) أي لم يخلقهما باطلا لغير شئ، ومن كان هذا الخلق العظيم خلقه استحال أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد. ثم بين كيفية تصرفه في السماوات والأرض فقال (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) التكوير في اللغة طرح الشئ بعضه على بعض. يقال كور المتاع:
إذا ألقى بعضه على بعض، ومنه كور العمامة، فمعنى تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه،