ذكر أنه آخرها على ذكر ربه حتى فاتته صلاة العصر، ثم أمرهم بردها عليه ليعاقب نفسه فإفساد ما ألهاه عن ذلك وما صده عن عبادة ربه وشغله عن القيام بما فرضه الله عليه، ولا يناسب هذا أن يكون الغرض من ردها عليه هو كشف الغبار عن سوقها وأعناقها بالمسح عليها بيده أو بثوبه، ولا متمسك لمن قال: إن إفساد المال لا يصدر عن النبي فإن هذا مجرد استبعاد باعتبار ما هو المتقرر في شرعنا مع جواز أن يكون في شرع سليمان أن مثل هذا مباح على أن إفساد المال المنهي عنه في شرعنا هو مجرد إضاعته لغير غرض صحيح، وأما لغرض صحيح فقد جاز مثله في شرعنا كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من إكفاء القدور التي طبخت من الغنيمة قبل القسمة، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة، ومن ذلك ما وقع من الصحابة من إحراق طعام المحتكر.
وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس في قوله (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) قال: الذين آمنوا علي وحمزة وعبيدة بن الحارث، والمفسدين في الأرض عتبة وشيبة والوليد. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال (الصافنات الجياد) خيل خلقت على ما شاء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله (الصافنات) قال: صفون الفرس رفع إحدى يديه حتى يكون على أطراف الحافر، وفي قوله (الجياد) السراع. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله (حب الخير) قال:
الماء، وفي قوله ردوها علي قال: الخيل (فطفق مسحا) قال: عقرا بالسيف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: الصلاة التي فرط فيها سليمان صلاة العصر. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله: إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد قال: كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة فعقرها. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن مسعود بقوله (حتى توارت بالحجاب) قال: توارت من وراء ياقوتة خضراء، فخضرة السماء منها. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس قال:
كان سليمان لا يكلم إعظاما له، فلقد فاتته صلاة العصر وما استطاع أحد أن يكلمه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله (عن ذكر ربي) يقول: من ذكر ربي (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) قال: قطع سوقها وأعناقها بالسيف.
قوله (ولقد فتنا سليمان) أي ابتليناه واختبرناه. قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: تزوج سليمان امرأة من بنات الملوك، فعبدت الصنم في داره ولم يعلم بذلك سليمان، فامتحن بسبب غفلته عن ذلك. وقيل إن سبب الفتنة أنه تزوج سليمان امرأة يقال لها جرادة وكان يحبها حبا شديدا، فاختصم إليه فريقان: أحدهما من أهل جرادة، فأحب