بالباطل، فكيف كان عقابي الذي عاقبتهم به، وحذف ياء المتكلم من عقاب اجتراء بالكسرة عنها وصلا ووقفا لأنها رأس آية (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا) أي وجبت وثبتت ولزمت، يقال حق الشئ إذا لزم وثبت، والمعنى: وكما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة لرسلهم حقت على الذين كفروا به وجادلوك بالباطل وتحزبوا عليك، وجملة (أنهم أصحاب النار) للتعليل: أي لأجل أنهم مستحقون للنار. قال الأخفش: أي لأنهم، أو بأنهم. ويجوز أن تكون في محل رفع بدلا من كلمة. قرأ الجمهور " كلمة " بالتوحيد، وقرأ نافع وابن عامر " كلمات " بالجمع. ثم ذكر أحوال حملة العرش ومن حوله فقال (الذين يحملون العرش ومن حوله) والموصول مبتدأ، وخبره يسبحون بحمد ربهم، والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببيان أن هذا الجنس من الملائكة الذين هم أعلى طبقاتهم يضمون إلى تسبيحهم لله والإيمان به الاستغفار للذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا، والمراد بمن حول العرش: هم الملائكة الذين يطوفون به مهللين مكبرين، وهو في محل رفع عطفا على الذين يحملون العرش، وهذا هو الظاهر. وقيل يجوز أن تكون في محل نصب عطفا على العرش، والأول أولى. والمعنى: أن الملائكة الذين يحملون العرش، وكذلك الملائكة الذين هم حول العرش ينزهون الله ملتبسين بحمده على نعمه ويؤمنون بالله ويستغفرون الله لعباده المؤمنين به. ثم بين سبحانه كيفية استغفارهم للمؤمنين فقال حاكيا عنهم (ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما) وهو بتقدير القول: أي يقولون ربنا، أو قائلين:
ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما انتصاب رحمة وعلما على التمييز المحول عن الفاعل، الفاعل، والأصل وسعت رحمتك وعلمك كل شئ (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) أي أوقعوا التوبة عن الذنوب واتبعوا سبيل الله، وهو دين الإسلام (وقهم عذاب الجحيم) أي احفظهم منه (ربنا وأدخلهم جنات عدن) " وأدخلهم " معطوف على قوله " قهم " ووسط الجملة الندائية لقصد المبالغة بالتكرير، ووصف جنات عدن بأنها (التي وعدتهم) إياها (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) أي وأدخل من صلح، والمراد بالصلاح ها هنا: الإيمان بالله والعمل بما شرعه الله، فمن فعل ذلك فقد صلح لدخول الجنة، ويجوز عطف ومن صلح على الضمير في وعدتهم: أي ووعدت من صلح، والأولى عطفه على الضمير الأول في وأدخلهم. قال الفراء والزجاج: نصبه من مكانين إن شئت على الضمير في أدخلهم، وإن شئت على الضمير في وعدتهم. قرأ الجمهور بفتح اللام من صلح. وقرأ ابن أبي عبلة بضمها. وقرأ الجمهور " وذرياتهم " على الجمع. وقرأ عيسى بن عمر على الإفراد (إنك أنت العزيز الحكيم) أي الغالب القاهر الكثير الحكمة الباهرة (وقهم السيئات) أي العقوبات، أو جزاء السيئات على تقدير مضاف محذوف. قال قتادة: وقهم ما يسوؤهم من العذاب (ومن تق السيئات يومئذ) أي يوم القيامة (فقد رحمته) يقال وقاه يقيه وقاية: أي حفظه، ومعنى (فقد رحمته) أي رحمته من عذابك وأدخلته جنتك، والإشارة بقوله (وذلك) إلى ما تقدم من إدخالهم الجنات، ووقايتهم السيئات وهو مبتدأ، وخبره (هو الفوز العظيم) أي الظفر الذي لا ظفر مثله، والنجاة التي لا تساويها نجاة.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال (حم) اسم من أسماء الله. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو عبيد وابن سعد وابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه وابن مردويه عن المهلب بن أبي صفرة قال:
حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليلة الخندق " إن أتيتم الليلة فقولوا حم لا ينصرون ". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وابن مردويه عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " إنكم تلقون عدوكم فليكن شعاركم حم لا ينصرون ". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات