شرع سبحانه في بيان أحوال من لم تحصل له الهداية إلى الصراط المستقيم فقال (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا) وهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فإنهم كما حكى الله عنهم هاهنا ينسبون إلى أنفسهم الإيمان بالله وبالرسول والطاعة لله ولرسوله نسبة بمجرد اللسان، لا عن اعتقاد صحيح، ولهذا قال (ثم يتولى فريق منهم) أي من هؤلاء المنافقين القائلين هذه المقالة (من بعد ذلك) أي من بعد ما صدر عنهم ما نسبوه إلى أنفسهم من دعوى الإيمان والطاعة، ثم حكم عليهم سبحانه وتعالى بعدم الإيمان فقال (وما أولئك بالمؤمنين) أي ما أولئك القائلون هذه المقالة بالمؤمنين على الحقيقة، فيشمل الحكم بنفي الايمان جميع القائلين، ويندرج تحتهم من تولى اندراجا أوليا. وقيل إن الإشارة بقوله " أولئك " راجع إلى من تولى، والأول أولى. والكلام مشتمل على حكمين: الحكم الأول على بعضهم بالتولي، والحكم الثاني على جميعهم بعدم الإيمان. وقيل أراد بمن تولى: من قبول حكمه صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل أراد بذلك رؤساء المنافقين، وقيل أراد بتولي هذا الفريق رجوعهم إلى الباقين، ولا ينافي ما تحتمله هذه الآية باعتبار لفظها ورودها على سبب خاص كما سيأتي بيانه. ثم وصف هؤلاء المنافقين بأن فريقا منهم يعرضون عن إجابة الدعوة إلى الله وإلى رسوله في خصوماتهم، فقال (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) أي ليحكم الرسول بينهم، فالضمير راجع إليه لأنه المباشر للحكم وإن كان الحكم في الحقيقة لله سبحانه، ومثل ذلك قوله تعالى - والله ورسوله أحق أن يرضوه - و " إذا " في قوله (إذا فريق منهم معرضون) هي الفجائية: أي فاجأ فريق منهم الإعراض عن المحاكمة إلى الله والرسول، ثم ذكر سبحانه أن إعراضهم إنما هو إذا كان الحق عليهم، وأما إذا كان لهم فإنهم
(٤٤)