لقد علم القبائل ما عقيل * لنا في النائبات بمقرنينا وقال آخر: ركبتم صعبتي أشر وجبن * ولستم للصعاب بمقرنينا والمراد بالأنعام هنا الإبل خاصة، وقيل الإبل والبقر، والأول أولى (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) أي راجعون إليه، وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة. ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدم ذكرهم، فقال (وجعلوا له من عباده جزءا) قال قتادة: أي عدلا، يعني ما عبد من دون الله. وقال الزجاج والمبرد:
الجزء هنا البنات، والجزء عند أهل العربية البنات، يقال قد أجزأت المرأة: إذا ولدت البنات، ومنه قول الشاعر:
إن أجزأت حرة يوما فلا عجب * قد تجزيء الحرة المذكار أحيانا وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالنبات من بدع التفسير، وصرح بأنه مكذوب على العرب.
ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد، وهما إماما اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهى في معرفتها، ويؤيد تفسير الجزء بالنبات ما سيأتي من قوله - أم اتخذ مما يخلق بنات - وقوله - وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن - وقوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) وقيل المراد بالجزاء هنا الملائكة فإنهم جعلوهم أولادا لله سبحانه قاله مجاهد والحسن. قال الأزهري: ومعنى الآية أنهم جعلوا لله من عباده نصيبا على معنى أنهم جعلوا نصيب الله من الولدان (إن الإنسان لكفور مبين) أي ظاهر الكفران مبالغ فيه، قيل المراد بالإنسان هنا الكافر، فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحودا بينا. ثم أنكر عليهم هذا فقال (أم اتخذ مما يخلق بنات) وهذا استفهام تقريع وتوبيخ. وأم هي المنقطعة، والمعنى: أتخذ ربكم لنفسه البنات (وأصفاكم بالبنين) فجعل لنفسه المفضول من الصنفين ولكم الفاضل منهما، يقال أصفيته بكذا: أي آثرته به، وأصفيته الود: أخلصته له، ومثل هذه الآية قوله - ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى - وقوله - أفأصفاكم ربكم بالبنين - وجملة وأصفاكم معطوفة على اتخذ داخلة معها تحت الإنكار. ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) أي بما جعله للرحمن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات، والمعنى: إنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتم لذلك وظهر عليه أثره، وهو معنى قوله (ظل وجهه مسودا) أي صار وجهه مسودا بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكرا مكانها (وهو كظيم) أي شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه. قال قتادة: حزين. وقال عكرمة:
مكروب، وقيل ساكت، وجملة (وهو كظيم) في محل نصب على الحال. ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) معنى ينشأ يربي، والنشوء التربية، والحلية الزينة، ومن في محل نصب بتقدير مقدر معطوف على جعلوا، والمعنى: أو جعلوا له سبحانه من شأنه أن يربي في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه، وإذا خوصم لا يقدر على إقامة حجته ودفع ما يجادله به خصمه لنقصان عقله وضعف رأيه. قال المبرد: تقدير الآية: أو يجعلون له من ينشأ في الحلية: أي ينبت في الزينة. قرأ الجمهور " ينشأ " بفتح الياء وإسكان النون، وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين. واختار القراءة الأولى أبو حاتم، واختار الثانية أبو عبيد. قال الهروي: الفعل على القراءة الأولى لازم، وعلى الثانية متعد. والمعنى: يربي ويكبر في الحلية. قال قتادة: قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها. وقال ابن زيد والضحاك: الذي ينشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة (وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا) الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشئ كما تقول: جعلت زيدا أفضل الناس: أي