فضله) أنه يتفضل عليهم بزيادة على أجورهم التي هي جزاء أعمالهم، وجملة (إنه غفور شكور) تعليل لما ذكر من التوفية والزيادة: أي غفور لذنوبهم شكور لطاعتهم، وقيل إن هذه الجملة هي خبر إن، وتكون جملة يرجون في محل نصب على الحال، والأول أولى (والذي أوحينا إليك من الكتاب) يعني القرآن، وقيل اللوح المحفوظ على أن من تبعيضية أو ابتدائية، وجملة (هو الحق) خبر الموصول (ومصدقا لما بين يديه) منتصب على الحال:
أي موافقا لما تقدمه من الكتب (إن الله بعباده لخبير بصير) أي محيط بجميع أمورهم (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) المفعول الأول لأورثنا الموصول، والمفعول الثاني الكتاب، وإنما قدم المفعول الثاني لقصد التشريف والتعظيم للكتاب، والمعنى: ثم أورثنا الذين اصطفيناهم من عبادنا الكتاب، وهو القرآن: أي قضينا وقدرنا بأن نورث العلماء من أمتك يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك، ومعنى اصطفائهم اختيارهم واستخلاصهم، ولا شك أن علماء هذه الأمة من الصحابة فمن بعدهم قد شرفهم الله على سائر العباد وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، وأكرمهم بكونهم أمة خير الأنبياء وسيد ولد آدم. قال مقاتل: يعني قرآن محمد جعلناه ينتهي إلى الذين اصطفينا من عبادنا. وقيل إن المعنى: أورثناه من الأمم السالفة: أي أخرناه عنهم وأعطيناه الذين اصطفينا، والأول أولى. ثم قسم سبحانه هؤلاء الذي أورثهم كتابه واصطفاهم من عباده إلى ثلاثة أقسام فقال (فمنهم ظالم لنفسه) قد استشكل كثير من أهل العلم معنى هذه الآية، لأنه سبحانه جعل هذا القسم الظالم لنفسه من ذلك المقسم، وهو من اصطفاهم من العباد، فكيف يكون من اصطفاه الله ظالما لنفسه؟ فقيل إن التقسيم هو راجع إلى العباد: أي فمن عبادنا ظالم لنفسه، وهو الكافر، ويكون ضمير يدخلونها عائدا إلى المقتصد والسابق. وقيل المراد بالظالم لنفسه هو المقصر في العمل به، وهو المرجأ لأمر الله، وليس من ضرورة ورثة الكتاب مراعاته حق رعايته، لقوله - فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب - وهذا فيه نظر، لأن ظلم النفس لا يناسب الاصطفاء. وقيل الظالم لنفسه: هو الذي عمل الصغائر، وقد روي هذا القول عن عمر وعثمان وابن مسعود وأبي الدرداء وعائشة، وهذا هو الراجح، لأن عمل الصغائر لا ينافي الاصطفاء ولا يمنع من دخول صاحبه مع الذين يدخلون الجنة يحلون فيها من أساور من ذهب إلى آخر ما سيأتي. ووجه كونه ظالما لنفسه أنه نقصها من الثواب بما فعل من الصغائر المغفورة له، فإنه لو عمل مكان تلك الصغائر طاعات لكان لنفسه فيها من الثواب حظا عظيما، وقيل الظالم لنفسه هو صاحب الكبائر.
وقد اختلف السلف في تفسير السابق والمقتصد، فقال عكرمة وقتادة والضحاك: إن المقتصد المؤمن العاصي، والسابق التقي على الإطلاق، وبه قال الفراء، وقال مجاهد في تفسير الآية: فمنهم ظالم لنفسه أصحاب المشأمة (ومنهم مقتصد) أصحاب الميمنة (ومنهم سابق بالخيرات) السابقون من الناس كلهم. وقال المبرد: إن المقتصد هو الذي يعطي الدنيا حقها والآخرة حقها. وقال الحسن: الظالم الذي ترجح سيآته على حسناته، والمقتصد الذي استوت حسناته وسيئاته، والسابق من رجحت حسناته على سيآته. وقال مقاتل: الظالم لنفسه أصحاب الكبائر من أهل التوحيد، والمقتصد الذي لم يصب كبيرة، والسابق الذي سبق إلى الأعمال الصالحة. وحكى النحاس أن الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيآته، فتكون جنات عدن يدخلونها الذين سبقوا بالخيرات لا غير، قال: وهذا قول جماعة من أهل النظر، لأن الضمير في حقيقة النظر لما يليه أولى. وقال الضحاك فيهم ظالم لنفسه: أي من ذريتهم ظالم لنفسه. وقال سهل بن عبد الله: السابق العالم، والمقتصد المتعلم والظالم لنفسه الجاهل. وقال ذو النون المصري: الظالم لنفسه الذاكر لله بلسانه فقط، والمقتصد الذاكر بقلبه،