قوله (ولما بلغ أشده) قد تقدم الكلام في بلوغ الأشد في الأنعام، وقد قال ربيعة ومالك: هو الحلم لقوله تعالى - حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا - الآية، وأقصاه أربع وثلاثون سنة كما قال مجاهد وسفيان الثوري وغيرهما. وقيل الأشد ما بين الثمانية عشر إلى الثلاثين، والاستواء من الثلاثين إلى الأربعين، وقيل الاستواء هو بلوغ الأربعين، وقيل الاستواء إشارة إلى كمال الخلقة، وقيل هو بمعنى واحد، وهو ضعيف لأن العطف يشعر بالمغايرة (آتيناه حكما وعلما) الحكم الحكمة على العموم، وقيل النبوة، وقيل الفقه في الدين. والعلم الفهم قاله السدي. وقال مجاهد الفقه. وقال ابن إسحاق: العلم بدينه ودين ابائه، وقيل كان هذا قبل النبوة، وقد تقدم بيان معنى ذلك في البقرة (وكذلك نجزي المحسنين) أي مثل ذلك الجزاء الذي جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله وألقت ولدها في البحر وصدقت بوعد الله نجزي المحسنين على إحسانهم، والمراد العموم (ودخل المدينة) أي ودخل موسى مدينة مصر الكبرى، وقيل مدينة غيرها من مدائن مصر، ومحل قوله على حين غفلة من أهلها) النصب على الحال: إما من الفاعل: أي مستخفيا، وإما من المفعول. قيل لما عرف موسى ما هو عليه من الحق في دينه عاب ما عليه قوم فرعون وفشا ذلك منه، فأخافوه فخافهم، فكان لا يدخل المدينة إلا مستخفيا. قيل كان دخوله بين العشاء والعتمة، وقيل وقت القائلة. قال الضحاك: طلب أن يدخل المدينة وقت غفلة أهلها فدخل على حين علم منهم، فكان منه ما حكى الله سبحانه بقوله (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) أي ممن شايعه على دينه، وهم بنو إسرائيل (وهذا من عدوه) أي من المعادين له على دينه وهم قوم فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته) أي طلب منه أن ينصره ويعينه على خصمه (على الذي من عدوه) فأغاثه لأن نصر المظلوم واجب في جميع الملل. قيل أراد القبطي أن يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا لمطبخ فرعون فأبى عليه واستغاث بموسى (فوكزه موسى) الوكز الضرب بجمع الكف، وهكذا اللكز واللهز. وقيل اللكز على اللحى، والوكز على القلب. وقيل ضربه بعصاه. وقرأ ابن مسعود " فلكزه " وحكى الثعلبي أن في مصحف عثمان " فنكزه " بالنون. قال الأصمعي:
نكزه بالنون: ضربه ودفعه. قال الجوهري: اللكز الضرب على الصدر. وقال أبو زيد: في جميع الجسد: يعني أنه يقال له لكز. واللهز الضرب بجميع اليدين في الصدر، ومثله عن أبي عبيدة (فقضى عليه) أي قتله، وكل شئ أتيت عليه وفرغت منه: فقد قضيت عليه، ومنه قول الشاعر: * قد عضه فقضى عليه الأشجع * قيل لم يقصد موسى قتل القبطي، وإنما قصد دفعه فأتى ذلك على نفسه، ولهذا قال (هذا من عمل الشيطان)