يوم القيامة فيقول لهم (أين شركائي) الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في الدنيا من الأصنام وغيرها فادعوهم الان فليشفعوا لكم أو يدفعوا عنكم العذاب، وهذا على طريقة التهكم بهم. قرأ الجمهور " شركائي " بسكون الياء، وقرأ ابن كثير بفتحها، والعامل في يوم محذوف: أي أذكر (قالوا آذناك ما منا من شهيد) يقال آذن يأذن: إذا أعلم، ومنه قول الشاعر:
آذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء والمعنى: أعلمناك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا، وذلك أنهم لما عاينوا القيامة تبرءوا من الشركاء وتبرأت منهم تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها. وقيل إن القائل بهذا هي المعبودات التي كانوا يعبدونها: أي ما منا من شهيد يشهد لهم بأنهم كانوا محقين، والأول أولى (وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل) أي زال وبطل في الآخرة ما كانوا يعبدون في الدنيا من الأصنام ونحوها (وظنوا ما لهم من محيص) أي أيقنوا وعلموا أنه لا محيص لهم، يقال حاص يحيص حيصا: إذا هرب. وقيل الظن على معناه الحقيقي لأنه بقي لهم في تلك الحال ظن ورجاء، والأول أولى. ثم ذكر سبحانه بعض أحوال الإنسان فقال (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) أي لا يمل من دعاء الخير لنفسه وجلبه إليه، والخير هنا: المال والصحة والسلطان والرفعة. وقال السدي: والإنسان هنا يراد به الكافر، وقيل الوليد بن المغيرة، وقيل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف. والأولى حمل الآية على العموم باعتبار الغالب فلا ينافيه خروج خلص العباد. وقرأ عبد الله بن مسعود " لا يسأم الإنسان من دعاء المال " (وإن مسه الشر فيئوس قنوط) أي وإن مسه البلاء والشدة والفقر والمرض فيئوس من روح الله قنوط من رحمته. وقيل يئوس من إجابة دعائه قنوط بسوء الظن بربه. وقيل يئوس من زوال ما به من المكروه قنوط بما يحصل له من ظن دوامه، وهما صيغتا مبالغة يدلان على أنه شديد اليأس عظيم القنوط (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته) أي ولئن آتيناه خيرا وعافية وغنى من بعد شدة ومرض وفقر (ليقولن هذا لي) أي هذا شئ أستحقه على الله لرضاه بعملي، فظن أن تلك النعمة التي صار فيها وصلت إليه باستحقاقه لها ولم يعلم أن الله يبتلي عباده بالخير والشر ليتبين له الشاكر من الجاحد، والصابر من الجزع. قال مجاهد: معناه هذا بعملي وأنا محقوق به (وما أظن الساعة قائمة) أي ما أظنها تقوم كما يخبرنا به الأنبياء، أو لست على يقين من البعث، وهذا خاص بالكافرين والمنافقين، فيكون المراد بالإنسان المذكور في صدر الآية الجنس باعتبار غالب أفراده، لأن اليأس من رحمة الله، والقنوط من خيره، والشك في البعث لا يكون إلا من الكافرين أو المتزلزلين في الدين المتظهرين بالإسلام المبطنين للكفر (ولئن رجعت إلى ربي) على تقدير: صدق ما يخبرنا به الأنبياء من قيام الساعة وحصول البعث والنشور (إن لي عنده للحسنى) أي للحالة الحسنى من الكرامة، فظن أنه استحق خير الدنيا بما فيه من الخير، واستحق خير الآخرة بذلك الذي اعتقده في نفسه وأثبته لها، وهو اعتقاد باطل وظن فاسد (فلننبئن الذين كفروا بما عملوا) أي لنخبرنهم بها يوم القيامة (ولنذيقنهم من عذاب غليظ) شديد بسبب ذنوبهم، واللام هذه والتي قبلها هي الموطئة للقسم (وإذا أنعمنا على الإنسان) أي على هذا الجنس باعتبار غالب أفراده (أعرض) عن الشكر (ونأى بجانبه) أي ترفع عن الانقياد للحق وتكبر وتجبر، والجانب هنا مجاز عن النفس، ويقال نأيت وتناءيت: أي بعدت وتباعدت، والمنتأى: الموضع البعيد. ومنه قول النابغة: