" ما تخفى " بالنون مضمومة، وقرأ الأعمش " يخفى " بالتحتية مضمومة. قال الزجاج في معنى قراءة حمزة: أي منه ما أخفى الله لهم، وهى قراءة محمد بن كعب، و " ما " في موضع نصب. ثم بين سبحانه أن ذلك بسبب أعمالهم الصالحة فقال (جزاء بما كانوا يعملون) أي لأجل الجزاء بما كانوا يعملونه في الدنيا أو جوزوا جزاء بذلك (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) الاستفهام للإنكار: أي ليس المؤمن كالفاسق فقد ظهر ما بينهما من التفاوت، ولهذا قال (لا يستوون) ففيه زيادة تصريف لما أفاده الإنكار الذي أفاده الاستفهام. قال الزجاج: جعل الاثنين جماعة حيث قال (لا يستوون) لأجل معنى من، وقيل لكون الاثنين أقل الجمع، وسيأتي بيان سبب نزولها آخر البحث. ثم بين سبحانه عاقبة حال الطائفتين وبدأ بالمؤمنين فقال (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) قرأ الجمهور " جنات " بالجمع، وقرأ طلحة بن مصرف " جنة المأوى " بالإفراد، والمأوى هو الذي يأوون إليه، وأضاف الجنات إليه لكونه المأوى الحقيقي، وقيل المأوى جنة من الجنات، وقد تقدم الكلام على هذا، ومعنى (نزلا) أنها معدة لهم عند نزولهم، وهو في الأصل ما يعد للنازل من الطعام والشراب كما بيناه في آل عمران، وانتصابه على الحال. وقرأ أبو حيوة " نزلا " بسكون الزاي، والباء في (بما كانوا يعملون) للسببية:
أي بسبب ما كانوا يعملونه، أو بسبب عملهم. ثم ذكر الفريق الآخر فقال (وأما الذين فسقوا) أي خرجوا عن طاعة الله وتمردوا عليه وعلى رسله (فمأواهم النار) أي منزلهم الذي يصيرون إليه ويستقرون فيه هو النار (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) أي إذا أرادوا الخروج منها ردوا إليها راغمين مكرهين، وقيل إذ دفعهم اللهب إلى أعلاها ردوا إلى مواضعهم (وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) والقائل لهم هذه المقالة هو خزنة جهنم من الملائكة، أو القائل لهم هو الله عز وجل، وفي هذا القول لهم حال كونهم قد صاروا في النار من الإغاظة لهم مالا يخفى (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) وهو عذاب الدنيا. قال الحسن وأبو العالية والضحاك والنخعي: هو مصائب الدنيا وأسقامها، وقيل الحدود، وقيل القتل بالسيف يوم بدر، وقيل سنين الجوع بمكة، وقيل عذاب القبر، ولا مانع من الحمل على الجميع (دون العذاب الأكبر) وهو عذاب الآخرة (لعلهم يرجعون) مما هم فيه من الشرك والمعاصي بسبب ما ينزل بهم من العذاب إلى الإيمان والطاعة ويتوبون عما كانوا فيه. وفي هذا التعليل دليل على ضعف قول من قال: إن العذاب الأدنى هو عذاب القبر (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) أي لا أحد أظلم منه لكونه سمع من أيات الله ما يوجب الإقبال على الإيمان والطاعة، فجعل الإعراض مكان ذلك، والمجيء بثم للدلالة على استبعاد ذلك، وأنه مما ينبغي أن لا يكون (إنا من المجرمين منتقمون) أي من أهل الإجرام على العموم فيدخل فيه من أعرض عن آيات الله دخولا أوليا.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (إنا نسيناكم) قال: تركناكم.
وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال: نزلت هذه الآية في شأن الصلوات الخمس (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا) أي أتوها (وسبحوا) أي صلوا بأمر ربهم (وهم لا يستكبرون) عن إتيان الصلاة في الجماعات.
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس بن مالك أن هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة. وأخرج البخاري في تاريخه وابن مردويه عنه قال: نزلت في صلاة العشاء. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العشاء. وأخرج ابن أبي شيبة عنه قال: كنا نجتنب الفرش قبل صلاة العشاء. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن مردويه عنه أيضا قال: ما رأيت رسول الله صلى