فإنك كالليل الذي هو مدركي * وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وقرأ يزيد بن القعقاع " وناء بجانبه " بالألف قبل الهمزة (وإذا مسه الشر) أي البلاء والجهد والفقر والمرض (فذو دعاء عريض) أي كثير، والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة مجازا، يقال أطال فلان في الكلام وأعرض في الدعاء: إذا أكثر، والمعنى: أنه إذا مسه الشر تضرع إلى الله واستغاث به أن يكشف عنه ما نزل به واستكثر من ذلك، فذكره في الشدة ونسيه في الرخاء واستغاث به عند نزول النقمة وتركه عند حصول النعمة، وهذا صنيع الكافرين ومن كان غير ثابت القدم من المسلمين. ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ومحاجتهم فقال (قل أرأيتم) أي أخبروني (إن كان من عند الله) أي القرآن (ثم كفرتم به) أي كذبتم به ولم تقبلوه ولا عملتم بما فيه (من أضل ممن هو في شقاق بعيد) أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاوتكم وشدة عداوتكم، والأصل أي شئ أضل منكم، فوضع (من هو في شقاق) موضع الضمير لبيان حالهم في المشاقة، وأنها السبب الأعظم في ضلالهم (سنريهم آياتنا في الآفاق) أي سنريهم دلالات صدق القرآن وعلامات كونه من عند الله في الآفاق (وفي أنفسهم) الآفاق جمع أفق وهو الناحية. والأفق بضم الهمزة والفاء، كذا قال أهل اللغة. ونقل الراغب أنه يقال أفق بفتحهما، والمعنى: سنريهم آياتنا في النواحي وفي أنفسهم. قال ابن زيد: في الآفاق آيات السماء، وفي أنفسهم حوادث الأرض. وقال مجاهد: في الآفاق فتح القرى التي يسر الله فتحها لرسوله وللخلفاء من بعده ونصار دينه في آفاق الدنيا شرقا وغربا، ومن الظهور على الجبابرة والأكاسرة، وفي أنفسهم فتح مكة، ورجح هذا ابن جرير. وقال قتادة والضحاك: في الآفاق وقائع الله في الأمم، وفي أنفسهم في يوم بدر. وقال عطاء:
في الآفاق: يعني أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغير ذلك، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، كما في قوله - وفي أنفسكم أفلا تبصرون - (حتى يتبين لهم أنه الحق) الضمير راجع إلى القرآن، وقيل إلى الإسلام الذي جاءهم به رسول الله، وقيل إلى ما يريهم الله ويفعل من ذلك، وقيل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه الرسول الحق من عند الله، والأول أولى (أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) الجملة مسوقة لتوبيخهم وتقريعهم و " بربك " في موضع رفع على أنه الفاعل ليكف، والباء زائدة، و " أنه " بدل من ربك والهمزة للإنكار. والمعنى: ألم يغنهم عن الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن أنه سبحانه شهيد على جميع الأشياء.
وقيل المعنى: أولم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار. وقيل أولم يكف بربك شاهدا على أن القرآن منزل من عنده، والشهيد بمعنى العالم، أو هو بمعنى الشهادة التي هي الحضور. قال الزجاج: ومعنى الكناية ها هنا أن الله عز وجل قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة، والمعنى: أولم يكف ربك أنه على كل شئ شهيد شاهد للأشياء لا يغيب عنه شئ (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم) أي في شك من البعث والحساب والثواب والعقاب (ألا إنه بكل شئ محيط) أحاط علمه بجميع المعلومات وأحاطت قدرته بجميع المقدورات، يقال أحاط يحيط إحاطة وحيطة، وفي هذا وعيد شديد لأن من أحاط بكل شئ بحيث لا يخفى عليه شئ جازى المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته.
وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: في قوله (ولولا كلمة سبقت من ربك) سبق لهم من الله حين وأجل هم بالغوه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله (وما تخرج من ثمرات من أكمامها) قال: حين