لما بين سبحانه من الأحكام ما بين أردف ذلك بكونه سبحانه في غاية الكمال فقال (الله نور السماوات والأرض) وهذه الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها، والاسم الشريف مبتدأ، ونور السماوات والأرض خبره، إما على حذف مضاف: أي ذو نور السماوات والأرض، أو لكون المراد المبالغة في وصفه سبحانه بأنه نور لكمال جلاله وظهور عدله وبسطه أحكامه، كما يقال فلان نور البلد وقمر الزمن وشمس العصر، ومنه قول النابغة:
فإنك شمس والملوك كواكب * إذا ظهرت لم يبق فيهن كوكب وقول الآخر: هلا قصدت من البلاد لمفضل * قمر القبائل خالد بن يزيد ومن ذلك قول الشاعر:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة * فقد سار منها نورها وجمالها وقول الآخر: نسب كأن عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا ومعنى النور في اللغة: الضياء، وهو الذي يبين الأشياء ويرى الأبصار حقيقة ما تراه، فيجوز إطلاق النور على الله سبحانه على طريقه المدح، ولكونه أوجد الأشياء المنورة وأوجد أنوارها ونورها، ويدل على هذا المعنى قراءة زيد بن علي وأبي جعفر وعبد العزيز المكي " الله نور السماوات والأرض " على صيغة الفعل الماضي، وفاعله ضمير يرجع إلى الله، والسماوات مفعوله، فمعنى (الله نور السماوات والأرض) انه سبحانه صيرهما منيرتين باستقامة أحوال أهلهما وكمال تدبيره عز وجل لمن فيهما، كما يقال الملك نور البلد، هكذا قال الحسن ومجاهد والأزهري والضحاك والقرظي وابن عرفة وابن جرير وغيرهم، ومثله قول الشاعر:
وأنت لنا نور وغيث وعصمة * ونبت لمن يرجو نداك وريف وقال هشام الجواليقي وطائفة من المجسمة: إنه سبحانه نور لا كالأنوار، وجسم لا كالأجسام، وقوله (مثل نوره) مبتدأ وخبره (كمشكاة) أي صفة نوره الفائض عنه، الظاهر على الأشياء كمشكاة، والمشكاة الكوة في الحائط غير النافذة، كذا حكاه الواحدي عن جميع المفسرين، وحكاه القرطبي عن جمهورهم. ووجه تخصيص المشكاة أنها أجمع للضوء الذي يكون فيه من مصباح أو غيره، وأصل المشكاة الوعاء يجعل فيه الشئ. وقيل المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة. وقال مجاهد - هي القنديل. والأول أولى، ومنه قول الشاعر:
* كأن عينيه مشكاتان في جحر * ثم قال (فيها مصباح) وهو السراج (المصباح في زجاجة) قال الزجاج:
النور في الزجاج وضوء النار أبين منه في كل شئ وضوءه يزيد في الزجاج، ووجه ذلك: أن الزجاج جسم