التسبيح كما في قوله سبحانه - فسبح بحمد ربك - وقوله - ونحن نسبح بحمدك - وقيل معنى وله الحمد: أي الاختصاص له بالصلاة التي يقرأ فيها الحمد، والأول أولى. وقرأ عكرمة " حينا تمسون وحينا تصبحون " والمعنى:
حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه والعشي من صلاة المغرب إلى العتمة. قال الجوهري، وقال قوم: هو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، ومنه قول الشاعر:
غدونا غدوة سحرا بليل * عشيا بعد ما انتصف النهار وقوله (عشيا) معطوف على حين، وفي السماوات متعلق بنفس الحمد: أي الحمد له يكون في السماوات والأرض (يخرج الحي من الميت) كالإنسان من النطفة والطير من البيضة (ويخرج الميت من الحي) كالنطفة والبيضة من الحيوان. وقد سبق بيان هذا في سورة آل عمران. قيل ووجه تعلق هذه الآية بالتي قبلها أن الإنسان عند الصباح يخرج من شبه الموت، وهو النوم إلى شبه الوجود، وهو اليقظة، وعند العشاء يخرج من اليقظة إلى النوم (ويحيي الأرض بعد موتها) أي يحييها بالنبات بعد موتها باليباس، وهو شبيه بإخراج الحي من الميت (وكذلك تخرجون) أي ومثل ذلك الإخراج تخرجون من قبوركم. قرأ الجمهور " تخرجون " على البناء للمفعول. وقرأ حمزة والكسائي على البناء للفاعل، فأسند الخروج إليهم كقوله - يوم يخرجون من الأجداث - (ومن آياته أن خلقكم من تراب) أي من آياته الباهرة الدالة على البعث أن خلقكم: أي خلق أباكم آدم من تراب وخلقكم في ضمن خلقه، لأن الفرع مستمد من الأصل ومأخوذ منه، وقد مضى تفسير هذا في الإنعام، وأن في موضع رفع بالابداء ومن آياته خبره (ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) إذا هي الفجائية: أي ثم فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشرا تنتشرون في الأرض. وإذا الفجائية وإن كانت أكثر ما تقع بعد الفاء، لكنها وقعت هنا بعد ثم بالنسبة إلى ما يليق بهذه الحالة الخاصة، وهي أطوار الإنسان كما حكاه الله في مواضع: من كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما مكسوا لحما فاجأ البشرية والانتشار، ومعنى تنتشرون: تنصرفون فيما هو قوام معايشكم (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) أي ومن علاماته ودلالاته الدالة على البعث أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا: أي من جنسكم في البشرية والانسانية، وقيل المراد حواء فإنه خلقها من ضلع آدم (لتسكنوا إليها) أي تألفوها وتميلوا إليها، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر ولا يميل قلبه إليه (وجعل بينكم مودة ورحمة) أي ودادا وترحما بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم قبل ذلك معرفة فضلا عن مودة ورحمة. وقال مجاهد:
المودة الجماع، والرحمة الولد، وبه قال الحسن. وقال السدي: المودة المحبة، والرحمة الشفقة. وقيل المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها من أن يصيبها بسوء. وقوله " أن خلق لكم " في موضع رفع على الابتداء، ومن آياته خبره (إن في ذلك) المذكور سابقا. (لآيات) عظيمة الشأن بديعة البيان واضحة الدلالة على قدرته سبحانه على البعث والنشور (لقوم يتفكرون) لأنهم الذين يقتدرون على الاستدلال لكون التفكر مادة له يتحصل عنه. وأما الغافلون عن التفكر فما هم إلا كالأنعام (ومن آياته خلق السماوات والأرض) فإن من خلق هذه الأجرام العظيمة التي هي أجرام السماوات والأرض وجعلها باقية ما دامت هذه الدار وخلق فيها من عجائب الصنع وغرائب التكوين ما هو عبرة للمعتبرين قادر على أن يخلقكم بعد موتكم وينشركم من قبوركم (واختلاف ألسنتكم) أي لغاتكم من عرب وعجم، وترك، وروم وغير ذلك من اللغات (وألوانكم) من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة، ويجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية، وفصل واحد وهو الناطقية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم لا يلتبس هذا بهذا، بل في كل فرد من أفرادكم