هذه القراءة أبو حاتم وغيره. قال النحاس: هي لحن، لأنه لا يجوز الجمع بين النون والإضافة، ولو كان مضافا لقال هل أنتم مطلعي، وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله وأنشدا:
هم القائلون الخير والآمرونه * إذا ما خشوا من محدث الدهر معظما ولكنه شاذ خارج عن كلام العرب (قال تالله إن كدت لتردين) أي قال ذلك الذي من أهل الجنة لما اطلع على قرينه ورآه في النار: تالله إن كدت لتردين: أي لتهلكني بالإغواء. قال الكسائي: لتردين لتهلكني، والردى الهلاك. قال المبرد: لو قيل لتردين لتوقعني في النار لكان جائزا. قال مقاتل: المعنى والله لقد كدت أن تغويني فأنزل منزلتك، والمعنى متقارب، فمن أغوى إنسانا فقد أهلكه (ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين) أي لولا رحمة ربي وإنعامه علي بالإسلام وهدايتي إلى الحق وعصمتي عن الضلال لكنت من المحضرين معك في النار، قال الفراء: أي لكنت معك في النار محضرا. قال الماوردي: وأحضر لا يستعمل إلا في الشر. ولما تمم كلامه مع ذلك القرين الذي هو في النار عاد إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة فقال (أفما نحن بميتين)، والهمزة للاستفهام التقريري وفيها معنى التعجيب، والفاء للعطف على محذوف كما في نظائره: أي نحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين (إلا موتتنا الأولى) التي كانت في الدنيا، وقوله هذا كان على طريقة الابتهاج والسرور بما أنعم الله عليهم من نعيم الجنة الذي لا ينقطع وأنهم مخلدون لا يموتون أبدا، وقوله (وما نحن بمعذبين) هو من تمام كلامه: أي وما نحن بمعذبين كما يعذب الكفار. ثم قال مشيرا إلى ما هم فيه من النعيم (إن هذا لهو الفوز العظيم) أي أن هذا الأمر العظيم والنعيم المقيم والخلود الدائم الذي نحن فيه لهو الفوز العظيم الذي لا يقادر قدره ولا يمكن الإحاطة بوصفه، وقوله (لمثل هذا فليعمل العاملون) من تمام كلامه: أي لمثل هذا العطاء والفضل العظيم فليعمل العاملون، فإن هذه هي التجارة الرابحة، لا العمل للدنيا الزائلة فإنها صفقة خاسرة نعيمها منقطع وخيرها زائل وصاحبها عن قريب منها راحل. وقيل إن هذا من قول الله سبحانه، وقيل من قول الملائكة، والأول أولى. قرأ الجمهور " بميتين " وقرأ زيد بن علي " بمايتين " وانتصاب إلا موتتنا على المصدرية، والاستثناء مفرغ، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا. أي لكن الموتة الأولى التي كانت في الدنيا (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم) الإشارة بقوله ذلك إلى ما ذكره من نعيم الجنة، وهو مبتدأ وخبره خير، ونزلا تمييز، والنزل في اللغة الرزق الذي يصلح أن ينزلوا معه ويقيموا فيه والخيرية بالنسبة إلى ما اختاره الكفار على غيره. قال الزجاج: المعنى أذلك خير في باب الإنزال التي يبقون بها نزلا أم نزل أهل النار، وهو قوله (أم شجرة الزقوم) وهو ما يكره تناوله. قال الواحدي: وهو شئ مر كريه يكره أهل النار على تناوله فهم يتزقمونه، وهي على هذا مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهتها ونتنها. واختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي يعرفها العرب أم لا على قولين: أحدهما أنها معروفة من شجر الدنيا فقال قطرب: إنها شجرة مرة تكون بتهامة من أخبث الشجر. وقال غيره: بل هو كل نبات قاتل. القول الثاني أنها غير معروفة في شجر الدنيا. قال قتادة: لما ذكر الله هذه الشجرة افتتن بها الظلمة فقالوا: كيف تكون في النار شجرة. فأنزل الله تعالى (إنا جعلناها فتنة للظالمين) قال الزجاج: حين افتتنوا بها وكذبوا بوجودها. وقيل معنى جعلها فتنة لهم: أنها محنة لهم لكونهم يعذبون بها، والمراد بالظالمين هنا الكفار أو أهل المعاصي الموجبة للنار. ثم بين سبحانه أوصاف هذه الشجرة ردا على منكريها فقال (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) أي في قعرها، قال الحسن: أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى دركاتها، ثم قال (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) أي ثمرها وما تحمله كأنه في تناهي قبحه وشناعة منظره رؤوس الشياطين، فشبه المحسوس بالمتخيل، وإن كان غير مرئي للدلالة على أنه غاية في القبح كما