النبي، والهدى: الاستقامة، وكانت العرب تتمنى أن يكون منهم رسول كما كان الرسل في بني إسرائيل (فلما جاءهم) ما تمنوه، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أشرف (نذير) وأكرم مرسل وكان من أنفسهم (ما زادهم) مجيئه (إلا نفورا) منهم عنه، وتباعدا عن إجابته (استكبارا في الأرض) أي لأجل الاستكبار والعتو (و) لأجل (مكر السيء) أي مكر العمل السييء، أو مكروا المكر السيء، والمكر هو الحيلة والخداع والعمل القبيح، وأضيف إلى صفته كقوله: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، وأنث إحدى لكون أمة مؤنثة كما قال الأخفش. وقيل المعنى: من إحدى الأمم على العموم، وقيل من الأمة التي يقال لها إحدى الأمم تفضيلا لها. قرأ الجمهور " ومكر السيء " بخفض همزة السيء، وقرأ الأعمش وحمزة بسكونها وصلا. وقد غلط كثير من النحاة هذه القراءة، ونزهوا الأعمش على جلالته أن يقرأ بها، قالوا: وإنما كان يقف بالسكون، فغلط من روى عنه أنه كان يقرأ بالسكون وصلا، وتوجيه هذه القراءة ممكن، بأن من قرأ بها أجرى الوصل مجرى الوقف كما في قول الشاعر:
فاليوم أشرب غير مستحقب * إنما من الله ولا واغل بسكون الباء من أشرب، ومثله قراءة من قرأ " وما يشعركم " بسكون الراء، ومثل ذلك قراءة أبى عمرو " إلى بارئكم " بسكون الهمزة، وغير ذلك كثير. قال أبو علي الفارسي: هذا على إجراء الوصل مجرى الوقف، وقرأ ابن مسعود " ومكرا سيئا " (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) أي لا تنزل عاقبة السوء إلا بمن أساء. قال الكلبي: يحيق بمعنى يحيط، والحوق الإحاطة، يقال حاق به كذا إذا أحاط به وهذا هو الظاهر من معنى يحيق في لغة العرب، ولكن قطرب فسره هنا بينزل، وانشد:
وقد رفعوا المنية فاستقلت * ذراعا بعد ما كانت تحيق أي تنزل (فهل ينظرون إلا سنة الأولين) أي فهل ينتظرون إلا سنة الأولين: أي سنة الله فيهم بأن ينزل بهؤلاء العذاب كما نزل بأولئك (فلن تجد لسنة الله تبديلا) أي لا يقدر أحد أن يبدل سنة الله التي سنها بالأمم المكذبة من إنزال عذابه بهم بأن يضع موضعه غيره بدلا عنه (ولن تجد لسنة الله تحويلا) بأن يحول ما جرت به سنة الله من العذاب فيدفعه عنهم ويضعه على غيرهم، ونفى وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) هذه الجملة مسوقة لتقرير معنى ما قبلها وتأكيده: أي ألم يسيروا في الأرض فينظروا ما أنزلنا بعاد وثمود ومدين وأمثالهم من العذاب لما كذبوا الرسل، فإن ذلك هو من سنة الله في المكذبين التي لا تبدل ولا تحول، وآثار عذابهم وما أنزل الله بهم موجودة في مساكنهم ظاهرة في منازلهم (و) الحال أن أولئك (كانوا أشد منهم قوة) وأطول أعمارا وأكثر أموالا وأقوى أبدانا (وما كان الله ليعجزه من شئ في السماوات ولا في الأرض) أي ما كان ليسبقه ويفوته من شئ من الأشياء كائنا ما كان فيهما (إنه كان عليما قديرا) أي كثير العلم وكثير القدرة لا يخفى عليه شئ ولا يصعب عليه أمر (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) من الذنوب وعملوا من الخطايا (ما ترك على ظهرها) أي الأرض (من دابة) من الدواب التي تدب كائنة ما كانت، أما بنو آدم فلذنوبهم، وأما غيرهم فلشؤم معاصي بني آدم. وقيل المراد ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب من بني آدم والجن، وقد قال بالأول ابن مسعود وقتادة، وقال بالثاني الكلبي. وقال ابن جريج والأخفش والحسين ابن الفضل: أراد بالدابة هنا الناس وحدهم دون غيرهم (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) وهو يوم القيامة فإذا