بين الإيمان والعمل الصالح، وجعل الخبر مضارعا للدلالة على التجدد في كل وقت وعدم الانقطاع. ثم لما ذكر سبحانه أهل السعادة ذكر بعدهم أهل الشقاوة فقال (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة) وهم الكفار: أي لا يصدقون بالبعث (زينا لهم أعمالهم) قيل المراد زين الله لهم أعمالهم السيئة حتى رأوها حسنة. وقيل المراد أن الله زين لهم الأعمال الحسنة وذكر لهم ما فيها من خيري الدنيا والآخرة فلم يقبلوا ذلك. قال الزجاج: معنى الآية انا جعلنا جزاءهم علي كفرهم أن زينا لهم ما هم فيه (فهم يعمهون) أي يترددون فيها متحيرين على الاستمرار لا يهتدون إلى طريقة ولا يقفون على حقيقة. وقيل معنى يعمهون يتمادون. وقال قتادة: يلعبون، وفي معنى التحير. قال الشاعر:
ومهمه أطرافه في مهمه * أعمى الهدى الحائرين العمة والإشارة بقوله (أولئك) إلى المذكورين قبله، وهو مبتدأ خبره (لهم سوء العذاب) قيل في الدنيا كالقتل والأسر، ووجه تخصيصه بعذاب الدنيا قوله بعده (وهم في الآخرة هم الأخسرون) أي هم أشد الناس خسرانا وأعظمهم خيبة، ثم مهد سبحانه مقدمة نافعة لما سيذكره بعد ذلك من الأخبار العجيبة، فقال (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) أي يلقى عليك فتلقاه وتأخذه من لدن كثير الحكمة والعلم، قيل إن لدن هاهنا بمعنى عند. وفيها لغات كما تقدم في سورة الكهف (إذ قال موسى لأهله) الظرف منصوب بمضمر وهو أذكر. قال الزجاج: موضع إذ نصب، المعنى: أذكر إذ قال موسى: أي أذكر قصته إذ قال لأهله، والمراد بأهله امرأته في مسيره من مدين إلى مصر، ولم يكن معه إذ ذاك إلا زوجته بنت شعيب، فكنى عنها بلفظ الأهل الدال على الكثرة، ومثله قوله - امكثوا - ومعنى (إني آنست نارا) أبصرتها (سآتيكم منها بخبر) السين تدل على بعد مسافة النار (أو آتيكم بشهاب قبس) قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتنوين شهاب، وقرأ الباقون بإضافته إلى قبس، فعلى القراءة الأولى يكون قبس بدلا من شهاب أو صفة له لأنه بمعنى مقبوس، وعلى القراءة الثانية الإضافة للبيان، والمعنى على القراءتين: آتيكم بشعلة نار مقبوسة: أي مأخوذة من أصلها. قال الزجاج: من نون جعل قبس من صفة شهاب، وقال الفراء: هذه الإضافة كالإضافة في قولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، أضاف الشئ إلى نفسه لاختلاف أسمائه. وقال النحاس: هي إضافة النوع إلى الجنس كما تقول: ثوب خز، وخاتم حديد.
قال: ويجوز في غير القرآن بشهاب قبسا على أنه مصدر أو بيان أو حال (لعلكم تصطلون) أي رجاء أن تستدفئوا بها، أو لكي تستدفئوا بها من البرد، يقال صلى بالنار واصطلى بها إذا استدفأ بها. قال الزجاج: كل أبيض ذي نور فهو شهاب. وقال أبو عبيدة: الشهاب النار، ومنه قول أبي النجم:
كأنما كان شهابا واقدا * أضاء ضوءا ثم صار خامدا وقال ثعلب: أصل الشهاب عود في أحد طرفيه جمرة، والاخر لا نار فيه، والشهاب الشعاع المضئ، وقيل للكوكب شهاب، ومنه قول الشاعر:
في كفه صعدة مثقفة * فيها سنان كشعلة القبس (فلما جاءها) أي جاء النار موسى (نودي أن بورك من في النار ومن حولها) أن هي المفسرة لما في النداء من معنى القول، أو هي المصدرية: أي بأن بورك، وقيل هي المخففة من الثقيلة. قال الزجاج: أن في موضع نصب أي بأن قال، ويجوز أن يكون في موضع رفع اسم ما لم يسم فاعله. والأولى أن النائب ضمير يعود إلى موسى.
وقرأ أبي وابن عباس ومجاهد " أن بوركت النار ومن حولها " حكى ذلك أبو حاتم. وحكى الكسائي عن العرب: