به فقال (إن الذين قالوا ربنا الله) أي وحده لا شريك له (ثم استقاموا) على التوحيد ولم يلتفتوا إلى إله غير الله. قال جماعة من الصحابة والتابعين: معنى الاستقامة إخلاص العمل لله. وقال قتادة وابن زيد: ثم استقاموا على طاعة الله.
وقال الحسن: استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا. وقال الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا. وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية (تتنزل عليهم الملائكة) من عند الله سبحانه بالبشرى التي يريدونها من جلب نفع أو دفع ضر أو رفع حزن. قال ابن زيد ومجاهد: تتنزل عليهم عند الموت. وقال مقاتل وقتادة: إذا قاموا من قبورهم للبعث. وقال وكيع: البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث (أ) ن (لا تخافوا ولا تحزنوا) أن هي المخففة أو المفسرة أو الناصبة، و " لا " على الوجهين الأولين ناهية، وعلى الثالث نافية، والمعنى: لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمور الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا من أهل وولد ومال. قال مجاهد: لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم، فإن الله خليفتكم عليهم. وقال عطاء:
لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم. والظاهر عدم تخصيص تنزل الملائكة عليهم بوقت معين، وعدم تقييد نفي الخوف والحزن بحالة مخصوصة كما يشعر به حذف المتعلق في الجميع (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) بها في الدنيا فإنكم واصلون إليها مستقرون بها خالدون في نعيمها. ثم بشرهم سبحانه بما هو أعظم من ذلك كله، فقال (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) أي نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا وأمور الآخرة، ومن كان الله وليه فاز بكل مطلب ونجا من كل مخافة. وقيل إن هذا من قول الملائكة. قال مجاهد: يقولون لهم نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قالوا: لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة. وقال السدي: نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة. وقيل إنهم يشفعون لهم في الآخرة ويتلقونهم بالكرامة (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم) من صنوف اللذات وأنواع النعم (ولكم فيها ما تدعون) أي ما تتمنون، افتعال من الدعاء بمعنى الطلب، وقد تقدم بيان معنى هذا في قوله " ولهم ما يدعون " مستوفى، والفرق بين الجملتين أن الأولى باعتبار شهوات أنفسهم، والثانية باعتبار ما يطلبونه أعم من أن يكون مما تشتهيه أنفسهم أولا. وقال الرازي: الأقرب عندي أن قوله (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم) إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله " دعواهم فيها سبحانك اللهم " الآية، وانتصاب (نزلا من غفور رحيم) على الحال من الموصول، أو من عائده، أو من فاعل تدعون، أو هو مصدر مؤكد لفعل محذوف: أي أنزلناه نزلا، والنزل: ما يعد لهم حال نزولهم من الرزق والضيافة، وقد تقدم تحقيقه في سورة آل عمران (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) أي إلى توحيد الله وطاعته. قال الحسن: هو المؤمن أجاب الله دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من طاعته (وعمل صالحا) في إجابته (وقال إنني من المسلمين) لربي. وقال ابن سيرين والسدي وابن زيد: هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وروي هذا أيضا عن الحسن. وقال عكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد: نزلت في المؤذنين.
ويجاب عن هذا بأن الآية مكية، والأذان إنما شرع بالمدينة. والأولى حمل الآية على العموم كما يقتضيه اللفظ ويدخل فيها من كان سببا لنزولها دخولا أوليا، فكل من جمع بين دعاء العباد إلى ما شرعه الله وعمل عملا صالحا، وهو تأدية ما فرضه الله عليه مع اجتناب ما حرمه عليه، وكان من المسلمين دينا لا من غيرهم فلا شئ أحسن منه ولا أوضح من طريقته ولا أكثر ثوابا من عمله. ثم بين سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال ومساويها فقال (ولا