أن يكون من كلام الله سبحانه: أي هم في عذاب دائم لا ينقطع (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله) أي لم يكن لهم أعوان يدفعون عنهم العذاب، وأنصار ينصرونهم في ذلك الموطن من دون الله، بل هو المتصرف سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (ومن يضلل الله فما له من سبيل) أي من طريق يسلكها إلى النجاة. ثم أمر سبحانه عباده بالاستجابة له وحذرهم فقال (استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) أي استجيبوا دعوته لكم إلى الإيمان به وبكتبه ورسله من قبل أن يأتي يوم لا يقدر أحد على رده ودفعه، على معنى: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد، أو لا يرده الله بعد أن حكم به على عباده ووعدهم به، والمراد به يوم القيامة، أو يوم الموت (ما لكم من ملجأ يومئذ) تلجأون إليه، (وما لكم من نكير) أي إنكار، والمعنى: ما لكم من إنكار يومئذ، بل تعترفون بذنوبكم. وقال مجاهد (وما لكم من نكير) أي ناصر ينصركم، وقيل النكير بمعنى المنكر، كالأليم بمعنى المؤلم: أي لا تجدون يومئذ منكرا لما ينزل بكم من العذاب قاله الكلبي وغيره، والأول أولى. قال الزجاج: معناه أنهم لا يقدرون أن ينكروا الذنوب التي يوقفون عليها (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا) أي حافظا تحفظ أعمالهم حتى تحاسبهم عليها، ولا موكلا بهم رقيبا عليهم (إن عليك إلا البلاغ) أي ما عليك إلا البلاغ لما أمرت بإبلاغه، وليس عليك غير ذلك، وهذا منسوخ بآية السيف (وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها) أي إذا أعطيناه رخاء وصحة وغنى فرح بها بطرا، والمراد بالإنسان الجنس، ولهذا قال (وإن تصبهم سيئة) أي بلاء وشدة ومرض (بما قدمت أيديهم) من الذنوب (فإن الإنسان كفور) أي كثير الكفر لما أنعم به عليه من نعمه، غير شكور له عليها، وهذا باعتبار غالب جنس الإنسان. ثم ذكر سبحانه سعة ملكه ونفاذ تصرفه فقال (لله ملك السماوات والأرض) أي له التصرف فيهما بما يريد، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع (يخلق ما يشاء) من الخلق (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور). قال مجاهد والحسن والضحاك وأبو مالك وأبو عبيدة: يهب لمن يشاء إناثا لا ذكور معهن، ويهب لمن يشاء ذكورا لا إناث معهم. قيل وتعريف الذكور بالألف واللام للدلالة على شرفهم على الإناث، ويمكن أن يقال إن التقديم للإناث قد عارض ذلك، فلا دلالة في الآية على المفاضلة بل هي مسوقة لمعنى آخر. وقد دل على شرف الذكور قوله سبحانه - الرجال قوامون على النساء بما فضل الله - وغير ذلك من الأدلة الدالة على شرف الذكور على الإناث، وقيل تقديم الإناث لكثرتهن بالنسبة إلى الذكور، وقيل لتطييب قلوب آبائهن، وقيل لغير ذلك مما لا حاجة إلى التطويل بذكره (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) أي يقرن بين الإناث والذكور ويجعلهم أزواجا فيهبهما جميعا لبعض خلقه. قال مجاهد: هو أن تلد المرأة غلاما ثم تلد جارية ثم تلد غلاما ثم تلد جارية. وقال محمد ابن الحنفية: هو أن تلد توأما غلاما وجارية.
وقال القتيبي: التزويج هنا هو الجمع بين البنين والبنات تقول العرب: زوجت إبلي: إذا جمعت بين الصغار والكبار، ومعنى الآية أوضح من أن يختلف في مثله، فإنه سبحانه أخبر أنه يهب لبعض خلقه إناثا، ويهب لبعض ذكورا، ويجمع لبعض بين الذكور والإناث (ويجعل من يشاء عقيما) لا يولد له ذكر ولا أنثى، والعقيم الذي لا يولد له، يقال رجل عقيم وامرأة عقيم، وعقمت المرأة تعقم عقما، وأصله القطع، ويقال نساء عقم، ومنه قول الشاعر: عقم النساء فما يلدن شبيهه * إن النساء بمثله عقم (إنه عليم قدير) أي بليغ العلم عظيم القدرة (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) أي ما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله بوجه من الوجوه إلا بأن يوحى إليه فيلهمه ويقذف ذلك في قلبه قال مجاهد: نفث ينفث في قلبه، فيكون إلهاما منه كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم في ذبح ولده (أو من وراء حجاب) كما كلم موسى،