قدرة الله سبحانه، فإنه كان من غير أب، وكان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، وكل مريض (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) أي لو نشاء أهلكناكم وجعلنا بدلا منكم ملائكة في الأرض يخلفون:
أي يخلفونكم فيها. قال الأزهري: ومن قد تكون للبدل كقوله (لجعلنا منكم) يريد بدلا منكم. وقيل المعنى:
لو نشاء لجعلنا من بني آدم ملائكة. والأول أولى. ومقصود الآية: أنا لو نشاء لأسكنا الملائكة الأرض وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا. وقيل معنى " يخلفون " يخلف بعضهم بعضا (وإنه لعلم للساعة) قال مجاهد والضحاك والسدي وقتادة: إن المراد المسيح، وإن خروجه مما يعلم به قيام الساعة لكونه شرطا من أشراطها، لأن الله سبحانه ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة. وقال الحسن وسعيد بن جبير: المراد القرآن، لأنه يدل على قرب مجيء الساعة، وبه يعلم وقتها وأهوالها وأحوالها، وقيل المعنى: أن حدوث المسيح من غير أب وإحياءه للموتى دليل على صحة البعث. وقيل الضمير لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، والأول أولى. قرأ الجمهور " لعلم " بصيغة المصدر جعل المسيح علما مبالغة لما يحصل من العلم بحصولها عند نزوله، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك الغفاري وقتادة بن دينار والضحاك وزيد بن علي بفتح العين واللام:
أي خروجه علم من أعلامها، وشرط من شروطها، وقرأ أبو نظرة وعكرمة " وإنه للعلم " بلامين مع فتح العين واللام: أي للعلامة يعرف بها قيام الساعة (فلا تمترن بها) أي فلا تشكن في وقوعها ولا تكذبن بها، فإنها كائنة لا محالة (واتبعون هذا صراط مستقيم) أي اتبعوني فيما آمركم به من التوحيد وبطلان الشرك، وفرائض الله التي فرضها عليكم، هذا الذي آمركم به وأدعوكم إليه طريق قيم موصل إلى الحق. قرأ الجمهور بحذف الياء من " اتبعون " وصلا ووقفا، وكذلك قرأوا بحذفها في الحالين في " أطيعون " وقرأ يعقوب بإثباتها وصلا ووقفا فيهما وقرأ أبو عمرو وهي رواية عن نافع بحذفها في الوصل دون الوقف (ولا يصدنكم الشيطان) أي لا تغتروا بوساوسه وشبهه التي يوقعها في قلوبكم فيمنعكم ذلك من اتباعي، فإن الذي دعوتكم إليه هو دين الله الذي اتفق عليه رسله وكتبه. ثم علل نهيهم عن أن يصدهم الشيطان ببيان عداوته لهم فقال (إنه لكم عدو مبين) أي مظهر لعداوته لكم غير متحاش عن ذلك ولا متكتم فإن به كما يدل على ذلك ما وقع بينه وبين آدم وما ألزم به نفسه من إغواء جميع بني آدم إلا عباد الله المخلصين (ولما جاء عيسى بالبينات) أي جاء إلى بني إسرائيل بالمعجزات الواضحة والشرائع. قال قتادة: البينات هنا: الإنجيل (قال قد جئتكم بالحكمة) أي النبوة، وقيل الإنجيل، وقيل ما يرغب في الجميل ويكف عن القبيح (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) من أحكام التوراة. وقال قتادة: يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا في أمر عيسى. قال الزجاج: الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه، فبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. وقيل إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم. وقال أبو عبيدة: إن البعض هنا بمعنى الكل كما في قوله - يصبكم بعض الذي يعدكم - وقال مقاتل: هو كقوله - ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم -: يعنى ما أحل في الإنجيل مما كان محرما في التوراة كلحم الإبل والشحم من كل حيوان، وصيد السمك يوم السبت واللام في (ولأبين لكم) معطوفة على مقدر كأنه قال: قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ولأبين لكم. ثم أمرهم بالتقوى والطاعة فقال (فاتقوا الله) أي اتقوا معاصيه (وأطيعون) فيما آمركم به من التوحيد والشرائع (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه) هذا بيان لما أمرهم بأن يطيعوه فيه (هذا صراط مستقيم) أي عباده الله وحده والعمل بشرائعه (فاختلف الأحزاب من بينهم). قال مجاهد والسدي: الأحزاب هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وقال الكلبي ومقاتل: هم فرق النصارى اختلفوا في أمر عيسى. قال قتادة: