ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) أي ما صح ولا أسقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين، ولفظ ما كان وما ينبغي ونحوهما معناها المنع والحظر من الشئ والإخبار بأنه لا يحل أن يكون شرعا، وقد يكون لما يمتنع عقلا كقوله - ما كان لكم أن تنبتوا شجرها - ومعنى الآية: أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمرا أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله عليه واختاره له، وجمع الضميرين في قوله: لهم ومن أمرهم لأن مؤمن ومؤمنة وقعا في سياق النفي فهما يعمان كل مؤمن ومؤمنة. قرأ الكوفيون " أن يكون " بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد لأنه قد فرق بين الفعل وفاعله المؤنث بقوله لهم مع كون التأنيث غير حقيقي، وقرأ الباقون بالفوقية لكونه مسندا إلى الخيرة وهى مؤنثة لفظا، والخيرة مصدر بمعنى الاختيار. وقرأ ابن السميفع " الخيرة " بسكون التحتية، والباقون بتحريكها، ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره فقال (ومن يعص الله ورسوله) في أمر من الأمور، ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء (فقد ضل ضلالا مبينا) أي ضل عن طريق الحق ضلالا ظاهرا واضحا لا يخفى.
وقد أخرج أحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله مالنا لا نذكر أنه في القرآن كما يذكر الرجال فلم يرعني منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول: إن الله يقول (إن المسلمين والمسلمات) إلى آخر الآية. وروي نحو هذا عنها من طريق أخرى أخرجها الفريابي وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، والطبراني وابن مردويه عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ما أرى كل شئ إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية (إن المسلمين والمسلمات). وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه بإسناد. قال السيوطي: حسن، عن ابن عباس قال: قالت النساء يا رسول الله ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟ فنزلت (إن المسلمين والمسلمات) الآية. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انطلق ليخطب على فتاة زيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها، قالت: لست بناكحته، قال: بلى فانكحيه، قالت: يا رسول الله أؤامر نفسي، فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة) الآية، قالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحا، قال نعم، قالت: إذن لا أعصي رسول الله قد أنكحته نفسي. وأخرج نحوه عنه ابن جرير من طريق أخرى. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزينب: " إني أريد أن أزوجك زيد بن حارثة فإني قد رضيته لك، قالت يا رسول الله لكني لا أرضاه لنفسي وأنا أيم قومي وبنت عمتك فلم أكن لأفعل، فنزلت هذه الآية (وما كان لمؤمن) يعنى زيدا (ولا مؤمنة) يعني زينب (إذا قضى الله ورسوله أمرا) يعني النكاح في هذا الموضع (أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) يقول: ليس لهم الخيرة من أمرهم خلاف ما أمر الله به (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) قالت: قد أطعتك فاصنع ما شئت، فزوجها زيدا ودخل عليها ". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال:
نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت أول امرأة هاجرت فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله فزوجنا عبده.