" لا يؤمنون " مستأنفة مبينة لما قبلها من الاستواء، أو في محل نصب على الحال، أو بدل، وبالغيب في محل نصب على الحال من الفاعل أو المفعول (فبشره بمغفرة وأجر كريم) أي بشر هذا الذي اتبع الذكر، وخشي الرحمن بالغيب بمغفرة عظيمة وأجر كريم: أي حسن، وهو الجنة. ثم أخبر سبحانه بإحيائه الموتى فقال (إنا نحن نحيي الموتى) أي نبعثهم بعد الموت. وقال الحسن والضحاك: أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل، والأول أولى. ثم توعدهم بكتب آثارهم فقال (ونكتب ما قدموا) أي أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة (وآثارهم) أي ما أبقوه من الحسنات التي لا ينقطع نفعها بعد الموت: كمن سن سنة حسنة أو نحو ذلك، أو السيئات التي تبقى بعد موت فاعلها:
كمن سن سنة سيئة. قال مجاهد وابن زيد: ونظيره قوله - علمت نفس ما قدمت وأخرت - وقوله - ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر - وقيل المراد بالآية آثار المشائين إلى المساجد، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين. قال النحاس: وهو أولى ما قيل في الآية لأنها نزلت في ذلك. ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية لا بخصوص سببها، وعمومها يقتضي كتب جميع آثار الخير والشر، ومن الخير تعليم العليم وتصنيفه والوقف على القرب وعمارة المساجد والقناطر. ومن الشر ابتداع المظالم وإحداث ما يضر بالناس ويقتدى به أهل الجور ويعملون عليه من مكس أو غيره، ولهذا قال سبحانه (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) أي وكل شئ من أعمال العباد وغيرها كائنا ما كان في إمام مبين: أي كتاب مقتدى به موضح لكل شئ. قال مجاهد وقتادة وابن زيد: أراد اللوح المحفوظ، وقالت فرقة: أراد صحائف الأعمال. قرأ الجمهور " ونكتب " على البناء للفاعل. وقرأ زر ومسروق على البناء للمفعول. وقرأ الجمهور (كل شئ أحصيناه) بنصب كل على الاشتغال. وقرأ أبو السمأل بالرفع على الابتداء.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود وابن عباس قوله (يس) قالا: يا محمد. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله (يس) قال: يا إنسان.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والضحاك وعكرمة مثله. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة، حتى تأذى به ناس من قريش، حتى قاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم عمى لا يبصرون، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: ننشدك الله والرحم يا محمد، قال: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم قرابة، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ذهب ذلك عنهم، فنزلت (يس والقرآن الحكيم) إلى قوله (أم لم تنذرهم لا يؤمنون) قال: فلم يؤمن من ذلك النفر أحد " وفي الباب روايات في سبب نزول ذلك هذه الرواية أحسنها وأقربها إلى الصحة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الأغلال ما بين الصدر إلى الذقن (فهم مقمحون) كما تقمح الدابة باللجام. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله (وجعلنا من بين أيديهم سدا) الآية قال: كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يرونه. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال:
اجتمعت قريش بباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظرون خروجه ليؤذوه، فشق ذلك عليه، فأتاه جبريل بسورة يس وأمره بالخروج عليهم، فأخذ كفا من تراب وخرج وهو يقرؤها ويذر التراب على رؤوسهم، فما رأوه حتى جاز، فجعل أحدهم يلمس رأسه فيجد التراب، وجاء بعضهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا ننتظر محمدا، فقال: لقد رأيته داخلا المسجد، قال: قوموا فقد سحركم. وأخرج عبد الرزاق والترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال:
كان بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فأنزل الله (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب