تحتهم ظلل) أي أطباق من النار، وسمى ما تحتهم ظللا لأنها تظل من تحتها من أهل النار، لأن طبقات النار صارت في كل طبقة منها طائفة من طوائف الكفار، ومثل هذه الآية قوله - لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش - وقوله - يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم - والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم ذكره من وصف عذابهم في النار، وهو مبتدأ وخبره قوله (يخوف الله به عباده) أي يحذرهم بما توعد به الكفار من العذاب ليخافوه فيتقوه، وهو معنى (يا عباد فاتقون) أي اتقوا هذه المعاصي الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار، ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم، وقيل هو للكفار وأهل المعاصي، وقيل هو عام للمسلمين والكفار (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) الموصول مبتدأ وخبره قوله (لهم البشرى) والطاغوت بناء مبالغة في المصدر كالرحموت والعظموت، وهو الأوثان والشيطان. وقال مجاهد وابن زيد: هو الشيطان.
وقال الضحاك والسدي: هو الأوثان. وقيل إنه الكاهن، وقيل هو اسم أعجمي مثل طالوت وجالوت، وقيل إنه اسم عربي مشتق من الطغيان. قال الأخفش: الطاغوت جمع، ويجوز أن يكون واحدة مؤنثا، ومعنى اجتنبوا الطاغوت: أعرضوا عن عبادته وخصوا عبادتهم بالله عز وجل، وقوله: " أن يعبدوها " في محل نصب على البدل من الطاغوت بدل اشتمال، كأنه قال: اجتنبوا عبادة الطاغوت، وقد تقدم الكلام على تفسير الطاغوت مستوفى في سورة البقرة، وقوله (وأنابوا إلى الله) معطوف على اجتنبوا، والمعنى: رجعوا إليه وأقبلوا على عبادته معرضين عما سواه (لهم البشرى) بالثواب الجزيل وهو الجنة، وهذه البشرى إما على ألسنة الرسل، أو عند حضور الموت أو عند البعث (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) المراد بالعباد هنا العموم، فيدخل الموصوفون بالاجتناب والإنابة إليه دخولا أوليا، والمعنى: يستمعون القول الحق من كتاب الله وسنة رسوله فيتبعون أحسنه أي محكمه، ويعملون به. قال السدي: يتبعون أحسن ما يؤمرون به فيعملون بما فيه، وقيل هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به، وقيل يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن، وقيل يستمعون الرخص والعزائم فيتبعون العزائم ويتركون الرخص، وقيل يأخذون بالعفو ويتركون العقوبة. ثم أثنى سبحانه على هؤلاء المذكورين فقال (أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) أي هم الذين أوصلهم الله إلى الحق وهم أصحاب العقول الصحيحة، لأنهم الذين انتفعوا بعقولهم ولم ينتفع من عداهم بعقولهم. ثم ذكر سبحانه من سبقت له الشقاوة وحرم السعادة فقال (أفمن حق عليه كلمة العذاب) من هذه يحتمل أن تكون موصولة في محل رفع بالابتداء وخبرها محذوف: أي كمن يخاف، أو فأنت تخلصه أو تتأسف عليه، ويحتمل أن تكون شرطية، وجوابه (أفأنت تنقذ من في النار) فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء وأعيدت الهمزة الإنكارية لتأكيد معنى الإنكار. وقال سيبويه إنه كرر الاستفهام لطول الكلام. وقال الفراء: المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب، والمراد بكلمة العذاب هنا هي قوله تعالى لإبليس - لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين - وقوله - لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين - ومعنى الآية التسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه كان حريصا على إيمان قومه، فأعلمه الله أن من سبق عليه القضاء وحقت عليه كلمة الله لا يقدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينقذه من النار بأن يجعله مؤمنا. قال عطاء: يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان، وفي الآية تنزيل لمن يستحق العذاب بمن قد صار فيه، وتنزيل دعائه إلى الإيمان منزلة الإخراج له من عذاب النار. ولما ذكر سبحانه فيما سبق أن لأهل الشقاوة ظللا من فوقهم النار ومن تحتهم ظلل استدرك عنهم من كان من أهل السعادة فقال (لكن الذين اتقوا ربهم لهم