والرذالة الخسة والذلة، استرذلوهم لقلة أموالهم وجاههم، أو لا تضاع أنسابهم. وقيل كانوا من أهل الصناعات الخسيسة، وقد تقدم تفسير هذه الآيات في هود. وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي " وأتباعك الأرذلون " قال النحاس: وهي قراءة حسنة، لأن هذه الواو تتبعها الأسماء كثيرا، وأتباع جمع تابع، فأجابهم نوح بقوله (وما علمي بما كانوا يعملون) كان زائدة، والمعنى: وما علمي بعملهم: أي لم أكلف العلم بأعمالهم، إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان والاعتبار به، لا بالحرف والصنائع والفقر والغنى، وكأنهم أشاروا بقولهم (واتبعك الأرذلون) إلى أن إيمانهم لم يكن عن نظر صحيح فأجابهم بهذا. وقيل المعنى: إني لم أعلم أن الله سيهديهم ويضلكم (إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون) أي ما حسابهم والتفتيش عن ضمائرهم وأعمالهم إلا على الله لو كنتم من أهل الشعور والفهم، قرأ الجمهور " تشعرون " بالفوقية، وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع والأعرج وأبو زرعة بالتحتية، كأنه ترك الخطاب للكفار والتفت إلى الإخبار عنهم. قال الزجاج: والصناعات لا تضر في باب الديانات وما أحسن ما قال (وما أنا بطارد المؤمنين) هذا جواب من نوح على ما ظهر من كلامهم من طلب الطرد لهم (إن أنا إلا نذير مبين) أي ما أنا إلا نذير موضح لما أمرني الله سبحانه بإبلاغه إليكم، وهذه الجملة كالعلة لما قبلها (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي إن لم تترك عيب ديننا وسب آلهتنا لتكونن من المرجومين بالحجارة، وقيل من المشتومين، وقيل من المقتولين، فعدلوا بعد تلك المحاورة وبينهم وبين نوح إلى التجبر والتوعد فلما سمع نوح قولهم هذا (قال رب إن قومي كذبون) أي أصروا على تكذيبي، ولم يسمعوا قولي ولا أجابوا دعائي (فافتح بيني وبينهم فتحا) الفتح الحكم: أي احكم بيني وبينهم حكما، وقد تقدم تحقيق معنى الفتح (ونجني ومن معي من المؤمنين) فلما دعا ربه بهذا الدعاء استجاب له فقال (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون) أي السفينة المملوءة، والشحن ملء السفينة بالناس والدواب والمتاع (ثم أغرقنا بعد الباقين) أي ثم أغرقنا بعد إنجائهم الباقين من قومه (إن في ذلك لآية) أي علامة وعبرة عظيمة (وما كان أكثرهم مؤمنين) كان زائدة عند سيبويه وغيره على ما تقدم تحقيقه (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) أي القاهر لأعدائه، الرحيم بأوليائه (كذبت عاد المرسلين) أنت الفعل باعتبار إسناده إلى القبيلة، لأن عادا اسم أبيهم الأعلى. ومعنى تكذيبهم المرسلين مع كونهم لم يكذبوا إلا رسولا واحدا قد تقدم وجهه في قصة نوح قريبا (إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون) الكلام فيه كالكلام في قول نوح المتقدم قريبا، وكذا قوله (إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) الكلام فيه كالذي قبله سواء (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) الريع المكان المرتفع من الأرض جمع ريعة، يقال كم ريع أرضك؟ أي كم ارتفاعها. قال أبو عبيدة: الريع الارتفاع جمع ريعة. وقال قتادة والضحاك والكلبي: الريع الطريق، وبه قال مقاتل والسدي. وإطلاق الريع على ما ارتفع من الأرض معروف عند أهل اللغة، ومنه قول ذي الرمة:
طراق الخوافي مشرف فوق ريعة * بذى ليلة في ريشه يترقرق وقيل الريع الجبل، واحده ريعة، والجمع أرياع. وقال مجاهد: هو الفج بين الجبلين، وروى عنه أن الثنية الصغيرة، وروى عنه أيضا أنه المنظرة. ومعنى الآية: أنكم تبنون بكل مكان مرتفع علما تعبثون ببنيانه وتلعبون بالمارة وتسخرون منهم، لأنكم تشرفون من ذلك البناء المرتفع على الطريق فتؤذون المارة وتسخرون منهم.
وقال الكلبي: إنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم حكاه الماوردي. قال ابن الأعرابي: الريع الصومعة، والريع البرج يكون في الصحراء، والريع التل العالي، وفي الريع لغتان كسر الراء وفتحها (وتتخذون مصانع)