الوصب وهو المرض، وقيل هو الشديد، والاستثناء في قوله (إلا من خطف الخطفة) هو من قوله " لا يسمعون " أو من قوله " ويقذفون ". وقيل الاستثناء راجع إلى غير الوحي لقوله: - إنهم عن السمع لمعزولون - بل يخطف الواحد منهم خطفة مما يتفاوض فيه الملائكة ويدور بينهم مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض. والخطف الاختلاس مسارقة وأخذ الشئ بسرعة. قرأ الجمهور " خطف " بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة، وقرأ قتادة والحسن بكسرهما وتشديد الطاء، وهي لغة تميم بن مر وبكر بن وائل. وقرأ عيسى بن عمر بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة.
وقرأ ابن عباس بكسرهما مع تخفيف الطاء، وقيل إن الاستثناء منقطع (فأتبعه شهاب ثاقب) أي لحقه وتبعه شهاب ثاقب: نجم مضيء فيحرقه، وربما لا يحرقه فيلقي إلى إخوانه ما خطفه، وليست الشهب التي يرجم بها هي من الكواكب الثوابت بل من غير الثوابت، وأصل الثقوب الإضاءة. قال الكسائي: ثقبت النار تثقب ثقابة وثقوبا:
إذا اتقدت، وهذه الآية هي كقوله - إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين - (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا) أي اسأل الكفار المنكرين للبعث أهم أشد خلقا وأقوى أجساما وأعظم أعضاء، أم من خلقنا من السماوات والأرض والملائكة؟ قال الزجاج: المعنى فاسألهم سؤال تقرير أهم أشد خلقا: أي أحكم صنعة أم من خلقا قبلهم من الأمم السالفة؟ يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذي يؤمنهم من العذاب؟ ثم ذكر خلق الإنسان فقال (إنا خلقناهم من طين لازب) أي إنا خلقناهم في ضمن خلق أبيهم آدم من طين لازب: أي لاصق، يقال لزب يلزب لزوبا: إذا لصق. وقال قتادة وابن زيد: اللازب اللازق. وقال عكرمة: اللازب اللزج. وقال سعيد بن جبير: اللازب الجيد الذي يلصق باليد. وقال مجاهد: هو اللازم، والعرب تقول: طين لازب ولازم تبدل الباء من الميم، واللازم الثابت كما يقال: صار الشئ ضربة لازب، ومنه قول النابغة:
لا تحسبون الخير لا شر بعده * ولا تحسبون الشر ضربة لازب وحكى الفراء عن العرب: طين لا تب بمعنى لازم، واللاتب الثابت. قال الأصمعي: واللاتب اللاصق مثل اللازب. والمعنى في الآية: أن هؤلاء كيف يستبعدون المعاد وهم مخلقون من هذا الخلق الضعيف ولم ينكره من هو مخلوق خلقا أقوى منهم وأعظم وأكمل وأتم. وقيل اللازب هو المنتن قاله مجاهد والضحاك. قرأ الجمهور " أم من خلقنا " بتشديد الميم وهي أم المتصلة، وقرأ الأعمش بالتخفيف، وهو استفهام ثان على قراءته. قيل وقد قرئ لازم ولا تب، ولا أدري من قرأ بذلك. ثم أضرب سبحانه عن الكلام السابق فقال (بل عجبت) يا محمد من قدرة الله سبحانه (ويسخرون) منك بسبب تعجبك، أو ويسخرون منك بما تقوله من إثبات المعاد. قرأ الجمهور بفتح التاء من " عجبت " على الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقرأ حمزة والكسائي بضمها، ورويت هذه القراءة عن علي وابن مسعود وابن عباس، واختارها أبو عبيد والفراء. قال الفراء: قرأها الناس بنصب التاء ورفعها، والرفع أحب إلي لأنها عن علي وعبد الله وابن عباس. قال: والعجب أن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد. قال الهروي: وقال بعض الأئمة: معنى قوله (بل عجبت) بل جازيتهم على عجبهم، لأن الله أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الخلق كما قال - وعجبوا أن جاءهم منذر منهم - وقالوا:
- إن هذا لشئ عجاب - أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم - وقال علي بن سليمان: معنى القراءتين واحد، والتقدير: قل يا محمد بل عجبت لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخاطب بالقرآن. قال النحاس: وهذا قول حسن وإضمار القول كثير. وقيل إن معنى الإخبار من الله سبحانه عن نفسه بالعجب أنه ظهر من أمره وسخطه على