مدين (إذ قال لهم شعيب) ولم يقل أخوهم شعيب. لأنه لم يكن من جنسهم (ألا تتقون) كيف لا تتقون وقد علمتم أني رسول أمين لا تعتبرون من هلاك مدين وقد أهلكوا فيما يأتون. وكان أصحاب الأيكة مع ما كانوا فيه من الشرك استنوا بسنة أصحاب مدين، فقال لهم شعيب (إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم) على ما أدعوكم إليه (من أجر) في العاجل من أموالكم (إن أجرى إلا على رب العالمين - واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) يعنى القرون الأولين الذي أهلكوا بالمعاصي ولا تهلكوا مثلهم (قالوا إنما أنت من المسحرين) يعني من المخلوقين (وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء) يعني قطعا من السماء (فأخذهم عذاب يوم الظلة) أرسل الله إليهم سموما من جهنم، فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر، فحميت بيوتهم وغلت مياههم في الآبار والعيون فخرجوا من منازلهم ومحلتهم هاربين، والسموم معهم، فسلط الله عليهم الشمس من فوق رؤوسهم فغشيتهم حتى تقلقلت فيها جماجمهم، وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم، ثم نشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء، فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا جميعا أطبقت عليهم فهلكوا ونجى الله شعيبا والذين آمنوا معه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال (الجبلة الأولين) الخلق الأولين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عنه أيضا أنه سئل عن قوله (فأخذهم عذاب يوم الظلة) قال: بعث الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم، فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم أجوافها فأخذ بأنفسهم، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها بردا ولذة، فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقط الله عليهم نارا، فذلك عذاب يوم الظلة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عنه أيضا قال من حدثك من العلماء عذاب يوم الظلة فكذبه. أقول: فما نقول له رضي الله عنه فيما حدثنا به من ذلك مما نقلناه عنه هاهنا؟ ويمكن أن يقال إنه لما كان هو البحر الذي علمه الله تأويل كتابه بدعوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كان مختصا بمعرفة هذا الحديث دون غيره من أهل العلم، فمن حدث بحديث عذاب الظلة على وجه غير هذا الوجه الذي حدثنا به فقد وصانا بتكذيبه، لأنه قد علمه ولم يعلمه غيره.
(١١٦)