باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك، وبارك لك، وكذلك حكى هذا الفراء. قال ابن جرير: قال بورك من في النار، ولم يقل بورك على النار على لغة من يقول باركك الله: أي بورك على من في النار، وهو موسى، أو على من في قرب النار لا أنه كان في وسطها. وقال السدي: كان في النار ملائكة، والنار هنا هي مجرد نور، ولكنه ظن موسى أنها نار، فلما وصل إليها وجدها نورا. وحكي عن الحسن وسعيد بن جبير أن المراد بمن في النار هو الله سبحانه: أي نوره. وقيل بورك ما في النار من أمر الله سبحانه الذي جعلها على تلك الصفة. قال الواحدي: ومذهب المفسرين أن المراد بالنار النور، ثم نزه سبحانه نفسه فقال (وسبحان الله رب العالمين) وفيه تعجيب لموسى من ذلك (يا موسى أنه أنا الله العزيز الحكيم) الضمير للشأن، أنا الله العزيز الغالب القاهر الحكيم في أمره وفعله. وقيل إن موسى قال: يا رب من الذي ناداني؟ فأجابه الله سبحانه بقوله: إنه أنا الله، ثم أمره سبحانه بأن يلقي عصاه ليعرف ما أجراه الله سبحانه على يده من المعجزة الخارقة، وجملة (وألق عصاك) معطوفة على بورك، وفي الكلام حذف، والتقدير فألقاها من يده فصارت حية (فلما رآها تهتز كأنها جان) قال الزجاج:
صارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان، وهي الحية البيضاء، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها، وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها، وجمع الجان جنان وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم. وقال الكلبي: لا صغيرة ولا كبيرة (ولى مدبرا) من الخوف (ولم يعقب) أي لم يرجع: يقال عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب، وقيل لم يقف ولم يلتفت. والأول أولى، لأن التعقيب هو الكر بعد الفر، فلما وقع منه ذلك قال الله سبحانه (يا موسى لا تخف) أي من الحية وضررها (إني لا يخاف لدي المرسلون) أي لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي فلا تخف أنت. قيل ونفي الخوف عن المرسلين ليس في جميع الأوقات، بل في وقت الخطاب لهم لأنهم إذ ذاك مستغرقون.
ثم استثنى استثناء منقطعا فقال (إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم) أي لكن من أذنب في ظلم نفسه بالمعصية " ثم بدل حسنا " أي توبة وندما " بعد سوء " أي بعد عمل سوء " فإني غفور رحيم " وقيل الاستثناء من مقدر محذوف: أي لا يخاف لدي المرسلون، وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم ثم بدل الخ، كذا قال الفراء. قال النحاس: الاستثناء من محذوف محال، لأنه استثناء من شئ لم يذكر. وروي عن الفراء أنه قال: إلا بمعنى الواو. وقيل إن الاستثناء متصل من المذكور لا من المحذوف. والمعنى: إلا من ظلم من المرسلين بإتيان الصغائر التي لا يسلم منها أحد، واختار هذا النحاس، وقال: علم من عصي منهم فاستثناه فقال: إلا من ظلم، وإن كنت قد غفرت له كآدم وداود وإخوة يوسف وموسى بقتله القبطي. ولا مانع من الخوف بعد المغفرة، فإن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يقول: وددت أني شجرة تعضد (وأدخل يدك في جيبك) المراد بالجيب هو المعروف، وفي القصص - اسلك يدك - وفي أدخل من المبالغة ما لم يكن في اسلك (تخرج بيضاء من غير سوء) أي من غير برص أو نحوه من الآفات، فهو احتراس. وقوله " تخرج " جواب أدخل يدك. وقيل في الكلام حذف تقديره: أدخل يدك تدخل وأخرجها تخرج، ولا حاجة لهذا الحذف ولا ملجئ إليه. قال المفسرون: كانت على موسى مدرعة من صوف لا كم لها ولا إزار، فأدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تبرق كالبرق، وقوله (في تسع آيات) قال أبو البقاء: هو في محل نصب على الحال من فاعل تخرج، وفيه بعد. وقيل متعلق بمحذوف: أي اذهب في تسع آيات. وقيل متعلق بقوله: ألق عصاك وأدخل يدك في جملة تسع آيات أو مع تسع آيات. وقيل المعنى: فهما آيتان من تسع: يعني العصا واليد، فتكون الآيات إحدى عشرة: هاتان، والفلق، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمسة،